فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم179 ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير180

( ما كان الله ) كلام مستأنف ( ليذر المؤمنين ) هذه اللام تسمى لام الجحود وينصب بعدها المضارع بإضمار إن ولا يجوز إظهارها ولهذا القول دلائل واعتراضات مذكورة في كتب النحو .

والخطاب في قوله ( على ما انتم عليه ) عند جمهور المحدثين للكفار والمنافقين ، وقيل الخطاب للمؤمنين و المنافقين أي ما كان الله ليترككم على الحال الذي عليه أنتم من الاختلاط ، وقيل الخطاب للمشركين ، والمراد بالمؤمنين من في الأصلاب والأرحام أي ما كان الله ليذر أولادكم على ما أنتم عليه حتى يفرق بينكم وبينهم .

وقيل الخطاب للمؤمنين أي ما كان الله ليذركم يا معشر المسلمين على ما انتم عليه من الاختلاط بالمنافقين حتى يميز بينكم ، وعلى هذا الوجه والوجه الثاني يكون في الكلام التفات .

( حتى يميز الخبيث من الطيب ) أي بعضكم من بعض ، قال ابن عباس : يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة ، وقال قتادة يميز بينهم في الجهاد والهجرة ، وقرئ يميز بالتشديد بالمخفف من ماز الشئ يميزه ميزا إذا فرق بين شيئين ، فإن كانت أشياء قيل ميزها تمييزا .

( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) الخطاب لكفار قريش أي ما كان ليبين لكم المؤمن من الكافر فيقول فلان كافر ، وفلان مؤمن وفلان منافق لتعرفوا قبل التمييز لأن المستأثر بعلم الغيب لا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فيميز بينكم ، كما وقع من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من تعيين كثير من المنافقين ، فإن ذلك كان بتعليم الله له لا بكونه يعلم الغيب أو أن يشاهد أمرا يدل على أمر يكون من بعد كما نصب له علامات دالة على مصارع الكفار يوم بدر ، وقيل المعنى ما كان الله ليطلعكم على الغيب فيمن يستحق النبوة حتى يكون الوحي باختياركم .

( ولكن الله يجتبي ) أي يختار او يختص ، قاله مجاهد وعن مالك يستخلص ( من رسله من يشاء ) فيطلعه على ما يشاء من غيبه ، عن السدي قال : قالوا إن كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم صادقا فليخبرنا بمن يؤمن منا ومن يكفر ، فأنزل الله هذه الآية ، وعن الحسن قال لا يطلع على الغيب إلا رسول ( فآمنوا بالله ورسله ) بصفة الإخلاص ( وإن تؤمنوا وتتقوا ) النفاق ( فلكم أجر عظيم ) في الآخرة .