بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

ثم قال تعالى : { مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } قال الكلبي : وذلك أن قريشاً من أهل مكة قالوا : يا رسول الله إنك تزعم أن الرجل منا في النار ، وإذا ترك ديننا واتبع دينك قلت هو من أهل الجنة ، فأخبرنا عن هذا من أين هو ؟ وأخبرنا مَن يأتيك منا ومن لا يأتيك ؟ فأنزل الله تعالى : { مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } من الكفر والنفاق . { حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب } يقول : حتى يخلص الكافر من المؤمن { وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب } أي ليبين لكم المؤمن من الكافر قبل أن يؤمن . وقال الفراء : لم يكن الله ليعلمكم ذلك فيطلعكم على غيبه { وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي } يقول يصطفي { مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء } للنبوة والرسالة من خلقه ، فيوحي إليه بإذنه . قال في رواية الضحاك : إن المنافقين أعلنوا الإسلام وأسروا الكفر ، وصلوا وجاهدوا مع المؤمنين ، فأحب الله أن يميز بين الفريقين ، وأن يدل رسوله على سرائر المنافقين فقال تعالى : { مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب } يعني المنافق من المؤمن { وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب } ولكن الله يطلع أنبياءه ورسله ، يعني : أن المؤمنين لا يعلمون سر المنافقين ، ولكن الله يبين ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم . ويقال : { مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين } ، أي ليترك من علم أنه من أهل الإيمان على ما أنتم عليه من الكفر حتى يوفقه للإيمان ، { وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب } ولكن الله يطلع أنبياءه ورسله بالوحي ، حتى يكون ذلك علامة لنبوتهم .

ثم قال تعالى : { فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا } بالله ورسله { وَتَتَّقُواْ } الشرك والمعصية { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي ثواب عظيم في الجنة . ويقال : إن الكفار لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيّن لهم من يؤمن منهم ، فنزل قوله : { فآمنوا بالله ورسله } يعني ولا تشتغلوا بما لا يعنيكم ، واشتغلوا بما يعنيكم ، فآمنوا بالله ورسله فإنكم إن فعلتم ذلك فلكم أجر عظيم . قرأ حمزة والكسائي : { حتى يُميز } مع التشديد بضم الياء ونصب الميم . وقرأ الباقون بنصب الياء وكسر الميم بغير تشديد ، وتفسيرهما واحد إلا انك إذا قرأت بالتشديد قد يكون عبارة عن الكثرة والمبالغة .