مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

اللام في { مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } من اختلاط المؤمنين الخلص والمنافقين لتأكيد النفي { حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب } حتى يعزل المنافق عن المخلص . «يميز » : حمزة وعلي . والخطاب في «أنتم » للمصدقين من أهل الإخلاص والنفاق كأنه قيل : ما كان الله ليذر المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض حتى يميزهم منكم بالوحي إلى نبيه وإخباره بأحوالكم { وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب } وما كان الله ليؤتي أحد منكم علم الغيوب فلا تتوهموا عند إخبار الرسل بنفاق الرجل وإخلاص الآخر أنه يطلع على ما في القلوب إطلاع الله فيخبر عن كفرها وإيمانها { وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء } أي ولكن الله يرسل الرسول فيوحي إليه ويخبره بأن في الغيب كذا وأن فلاناً في قلبه النفاق وفلاناً في قلبه الإخلاص ، فيعلم ذلك من جهة إخبار الله لا من جهة نفسه . والآية حجة على الباطنية فإنهم يدعون ذلك العلم لإمامهم فإن لم يثبتوا النبوة له صاروا مخالفين للنص حيث أثبتوا علم الغيب لغير الرسول ، وإن أثبتوا النبوة له صاروا مخالفين لنص آخر وهو قوله { وَخَاتَمَ النبيين } [ الأحزاب : 40 ] { فَئَامِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ } بصفة الإخلاص { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ } النفاق { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } في الآخرة .