فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

قوله : { ما كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين على مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } كلام مستأنف ، والخطاب عند جمهور المفسرين للكفار ، والمنافقين ، أي : ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر ، والنفاق { حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب } وقيل : الخطاب للمؤمنين ، والمنافقين ، أي : ما كان الله ؛ ليترككم على الحال التي أنتم عليه من الاختلاط حتى يميز بعضكم من بعض ؛ وقيل : الخطاب للمشركين . والمراد بالمؤمنين من في الأصلاب ، والأرحام ، أي : ما كان الله ليذر أولادكم على ما أنتم عليه حتى يفرق بينكم ، وبينهم ، وقيل : الخطاب للمؤمنين ، أي : ما كان الله ؛ ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين حتى يميز بينكم ، وعلى هذا الوجه ، والوجه الثاني يكون في الكلام التفات . وقرئ : { يَمِيزَ } بالتشديد للمخفف ، من ماز الشيء يميزه ميزاً إذا فرق بين شيئين ، فإن كانت أشياء قيل : ميزه تمييزاً { وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب } حتى تميزوا بين الطيب ، والخبيث ، فإنه المستأثر بعلم الغيب لا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول من رسله يجتبيه ، فيطلعه على شيء من غيبه ، فيميز بينكم ، كما وقع من نبينا صلى الله عليه وسلم من تعيين كثير من المنافقين ، فإن ذلك كان بتعليم الله له ، لا بكونه يعلم الغيب ؛ وقيل المعنى : وما كان الله ليطلعكم على الغيب في من يستحق النبوة ، حتى يكون الوحي باختياركم { وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي } أي : يختار { مِن رسُلِهِ مَن يَشَاء } .

قوله : { فآمنوا بالله ورسوله } أي : افعلوا الإيمان المطلوب منكم ، ودعوا الاشتغال بما ليس من شأنكم من التطلع لعلم الله سبحانه : { وَإِن تُؤْمِنُوا } بما ذكر { وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ } عوضاً عن ذلك : { أَجْرٌ عَظِيمٌ } لا يعرف قدره ، ولا يبلغ كنهه .

/خ180