التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (179)

قوله تعالى : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) .

المخاطب في قول أكثر المفسرين هم الكفار والمنافقون . أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر والنفاق وعداوة النبي صلى الله عليه و سلم ، ذلك أن قريشا قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم : تزعم محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان ، وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض ، فأخبرتا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك ؟ فأنزل الله ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) .

وقيل : الخطاب للمصدقين جميعا من أهل الإخلاص والنفاق . فيكون المعنى : ما كان ليدع المؤمنين المخلصين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق فلا يعرف هذا من هذا حتى يميز الخبيث وهو المنافق الذي يستسر الكفر من الطيب وهو المؤمن الصادق .

أما كيفية التمييز بين المخلصين والمنافقين فثمة وجوه في ذلك :

منها : إلقاء المحن والمصائب كالقتل والهزيمة ونحوهما : وعندئذ يظهر المنافق ويستبين المؤمن الصادق .

ومنها : الهجرة والجهاد ، وهذان امتحنانا يعز على المنافق أن يحتملهما حتى تنكشف حاله للناس واضحا معزولا . بخلاف المؤمن الصادق فإنه مطوع لأوامر الله ورسوله لا يميل عنهما ولا يتردد في الاضطلاع بهما .

ومنها : أن المؤمنين الصادقين يغمرهم الفرح والبهجة عند كل نصر يظفر به المسلمون ، لكن المنافقين يغشاهم بسبب ذلك اغتمام وتنغيص .

قوله : ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) المخاطب المؤمنون . والمعنى أن الله لا يطلعكم على الغيب المستور فيقول لكم إن فلانا منافق وفلانا مؤمن . فلا يتسنى مثل هذا الإطلاع للناس . ولا سبيل للمؤمنين للوقوف على النفاق وتمييز المنافقين إلا بالمحن والابتلاءات يمتحن الله بها عباده . وقد ظهر ذلك في يوم أحد إذا تخلف المنافقون عن الجهاد . بل شمتوا بالمسلمين وفرحوا لما أصابهم من قتل وهزيمة .

قوله : ( ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ) أي أن الله يختص أو يستخلص لرسالته من يشاء من عباده فيطلعه على بعض المغيبات .

وقوله : ( فآمنوا بالله ورسله ) لما سأل الكفار رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبين لهم من هو مؤمن منهم ومن هو كافر أنزل الله قوله : ( فآمنوا بالله ورسله ) أي لا يشغلنكم ما ليس يعنيكم فإن الخوض في مثل هذه المساءلات لا جدوى منه لكم ، لكن اشتغلوا بما يعنيكم وينفعكم وفيه النجاء لكم وهو الإيماء فآمنوا ، أي صدقوا وأيقنوا وامتثلوا ، فإنكم صدقتم واتقيتم ربكم بطاعته فيما أمر ، وفيما نهى فإن لكم بذلك من الله عظيم الثواب ؛ لذلك قال : ( وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) .