{ وَقَالُوا } في تلك الحال : { آمَنَّا } بالله وصدقنا ما به كذبنا { و } لكن { أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي : تناول الإيمان { مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } قد حيل بينهم وبينه ، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة ، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان ، لكان إيمانهم مقبولا ، ولكنهم { كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ }
{ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } أي : يوم القيامة يقولون : آمنا بالله وبكتبه ورسله{[24416]} ، كما قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } أي : وكيف لهم تعاطي{[24417]} الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار الآخرة ، وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء ، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ، ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان ، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد .
قال مجاهد : { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } قال : التناول لذلك .
وقال الزهري : التناوش : تناولهم الإيمان وهم في الآخرة ، وقد انقطعت عنهم الدنيا .
وقال الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال ، تعاطوا الإيمان من مكان بعيد .
وقال ابن عباس : طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه ، وليس بحين{[24418]} رجعة ولا توبة . وكذا قال محمد بن كعب القرظي ، رحمه الله .
{ وقالوا آمنا به } بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وقد مر ذكره في قوله : { ما بصاحبكم } . { وأنى لهم التناوش } ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولا سهلا . { من مكان بعيد } فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم ، وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالإيمان بعدما فات عنهم أوانه وبعد عنهم ، بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة ، وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها . أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة :
أقحمني جار أبي الجاموش *** إليك نأش القدر التؤوش
أو من نأشت إذا تأخرت ومنه قوله :
الضمير في { به } عائد على الله تعالى ، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه والقرآن ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وعامة القراء «التناوُش » بضم الواو دون همز ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم أيضاً «التناؤش » بالهمز ، والأولى معناها التناول من قولهم ناش ينوش إذا تناول وتناوش القوم في الحرب إذا تناول بعضهم بعضاً بالسلاح ، ومنه قول الراجز : [ الرجز ]
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا . . . نوشاً به تقطع أجواز الفلا{[9678]}
فكأنه قال وأنى لهم تناول مرادهم وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك ، وأما التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناؤش الذي تقدم تفسيره وهمزت الواو لما كانت مضمونة وكانت ضمتها لازمة ، كما قالوا أقتت وغير ذلك{[9679]} ، ويحتمل أن يكون من الطلب ، تقول " تناءشت الشيء " {[9680]} إذا طلبته من بعد ، وقال ابن عباس تناؤش الشيء رجوعه حكاه عنه ابن الأنباري وأنشد : [ الوافر ]
تمنى أن تؤوب إليك ميّ . . . وليس إلى تناوشها سبيل{[9681]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.