المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

24- وحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء عامة ، حرائر وغير حرائر ، إلا من سبيتم وملكتم منهن في حرب بينكم وبين الكفار ، فإن نكاحهن السابق ينفسخ بالسبي ، فيصرن حلالا لكم بعد استبراء أرحامهن ، فالزموا ما كتب الله عليكم في تحريم ما حرم ، ولكم فيما عدا هؤلاء المؤمنات المحرمات أن تطلبوا بأموالكم نساء تتزوجون بهن ، لا تقصدون الزنا أو المخادنة ، فأي نساء استمتعتم بهن بعد الزواج منهن أحل الله لكم الدخول بهن فوفُّوهن مهورهن التي قدَّرتم لهن حقاً عليكم لا تسامح فيه تؤدونه في موعد ، ولا حرج عليكم فيما تم بينكم عن تراض من تنازل زوجة عن بعض مهرها أو زيادة زوج فيه ، إن الله كان ولم يزل مُطَّلِعاً على شئون العباد ، مُدَبِّراً لهم في أحكام ما يصلح به أمرهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

{ وَ } من المحرمات في النكاح { الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } أي : ذوات الأزواج . فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها . { إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي : بالسبي ، فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد أن تستبرأ . وأما إذا بيعت الأمة المزوجة أو وهبت فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني نزل منزلة الأول ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم .

وقوله : { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي : الزموه واهتدوا به فإن فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام .

ودخل في قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } كلُّ ما لم يذكر في هذه الآية ، فإنه حلال طيب . فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر لطفًا من الله ورحمة وتيسيرًا للعباد .

وقوله : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } أي : تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم { مُحْصِنِينَ } أي : مستعفين عن الزنا ، ومعفين نساءكم .

{ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } والسفح : سفح الماء في الحلال والحرام ، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته . وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } . { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أي : ممن تزوجتموها { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : الأجور في مقابلة الاستمتاع . ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها { فَرِيضَةً } أي : إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه الله عليكم ، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده . أو معنى قوله فريضة : أي : مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم ، فلا تنقصوا منها شيئًا .

{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } أي : بزيادة من الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس [ هذا قول كثير من المفسرين ، وقال كثير منهم : إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها ، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما ، والله أعلم ]{[205]} .

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : كامل العلم واسعه ، كامل الحكمة : فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام .


[205]:زيادة من هامش ب، والزيادة غير واضحة، وقد أتممتها من طبعة السلفية.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

وقوله [ تعالى ]{[7007]} { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي : وحرم عليكم الأجنبيات المحصنات وهي المزوجات { إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني : إلا ما{[7008]} ملكتموهن بالسبي ، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن ، فإن الآية نزلت في ذلك .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان - هو الثوري - عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا نساء{[7009]} من سبي أوطاس ، ولهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فنزلت هذه الآية : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ قال ]{[7010]} فاستحللنا فروجهن .

وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع ، عن هُشَيم ، ورواه النسائي من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ، ثلاثتهم عن عثمان البتي ، ورواه ابن جرير من حديث أشعث بن سواري عن عثمان البتي ، ورواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة ، كلاهما عن أبي الخليل صالح بن أبي مريم ، عن أبي سعيد الخدري ، فذكره ، وهكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد ، به{[7011]} .

وقد روي من وجه آخر عن أبي الخليل ، عن أبي عَلْقَمَةَ الهاشمي ، عن أبي سعيد قال الإمام أحمد :

حدثنا ابن أبي عَدِيّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي عَلْقَمَةَ ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس ، لهن أزواج من أهل الشرك ، فكان أناسًا{[7012]} من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا{[7013]} من غشيانهن قال : فنزلت هذه الآية في ذلك : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عَرُوبة - زاد مسلم : وشعبة - ورواه الترمذي من حديث همام بن يحيى ، ثلاثتهم عن قتادة ، بإسناده نحوه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، ولا أعلم أن أحدا ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إلا ما ذكر همام عن قتادة . كذا قال . وقد تابعه سعيد وشعبة ، والله أعلم{[7014]} .

وقد روى الطبراني من طريق الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في سبايا خيبر ، وذكر مثل حديث أبي سعيد ، وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها ، أخذا بعموم هذه الآية . قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه سُئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ، ويتلو هذه الآية{[7015]} { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

وكذا رواه سفيان{[7016]} عن منصور ، ومغيرة والأعمشن عن إبراهيم ، عن ابن مسعود قال : بيعها طلاقها . وهو منقطع .

وقال سفيان الثوري ، عن خالد ، عن أبي قِلابة ، عن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها .

ورواه سعيد ، عن قتادة قال : إن أبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس قالوا : بيعها طلاقها .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، [ حدثنا ]{[7017]} ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : طلاق الأمة ست{[7018]} بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قوله : { وَالْمُحْصَناَتُ مِنَ النِّسَاءِ } قال : هُن{[7019]} ذوات الأزواج ، حرّم الله نكاحهن إلا ما ملكت يمينك{[7020]} فبيعها طلاقها وقال معمر : وقال الحسن مثل ذلك .

وهكذا رواه سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال : إذا كان لها زوج فبيعها طلاقها .

وقال عوف ، عن الحسن : بيع الأمة طلاقها وبيعُه طلاقُها .

فهذا قول هؤلاء من السلف [ رحمهم الله ]{[7021]} وقد خالفهم الجمهور قديمًا وحديثًا ، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقها{[7022]} ؛ لأن المشتري نائب عن البائع ، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها ، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما ؛ فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وَنَجَّزَتْ عتقها ، ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، بل خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء ، فاختارت الفسخ ، وقصتها مشهورة ، فلو كان بيع الأمة طلاقها - كما قال{[7023]} هؤلاء لما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خيرها دل على بقاء النكاح ، وأن المراد من الآية المسبيات فقط ، والله أعلم .

وقد قيل : المراد بقوله : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } يعني : العفائف حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي واحدة أو اثنتين{[7024]} أو ثلاثًا أو أربعا . حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما . وقال عُمَر وعبيدة : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم .

وقوله : { كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ } أي : هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم ، فالزموا كتابه ، ولا تخرجوا عن حدوده ، والزموا شرعه وما فرضه .

وقد قال عبيدة وعطاء والسّدّي في قوله : { كِتَابَ الله عَلَيْكُم } يعني الأربع . وقال إبراهيم : { كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ } يعني : ما حرم عليكم .

وقوله : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } أي : ما عدا من ذكرن من المحارم هن لكم حلال ، قاله عطاء وغيره . وقال عبيدة والسدي : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ما دون الأربع ، وهذا بعيد ، والصحيح قول عطاء كما تقدم . وقال قتادة { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } يعني : ما ملكت أيمانكم .

وهذه الآية هي{[7025]} التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين ، وقول من قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية{[7026]} .

وقوله : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي : تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي ؛ ولهذا قال : { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }

وقوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي : كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك ، كقوله : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ{[7027]} إِلَى بَعْضٍ } [ النساء : 21 ] وكقوله { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وكقوله [ النساء : 4 ] { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } [ البقرة : 229 ]

وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعًا في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بعد ذلك . وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ ، مرتين . وقال آخرون أكثر من ذلك ، وقال آخرون : إنما أبيح مرة ، ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك .

وقد رُويَ عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القولُ بإباحتها للضرورة ، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمهم الله تعالى . وكان ابن عباس ، وأبيّ بن كعب ، وسعيد بن جُبَيْر ، والسُّدِّي يقرءون : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة " . وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة ، ولكن الجمهور على خلاف ذلك ، والعمدة ما ثبت في الصحيحين ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ]{[7028]} قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر{[7029]} ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب " الأحكام " .

وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سَبْرَة بن معبد الجهني ، عن أبيه : أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة ، فقال : " يأيها الناس ، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حَرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن{[7030]} شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا " وفي رواية لمسلم في حجة الوداع{[7031]} وله ألفاظ موضعها كتاب " الأحكام " .

وقوله : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } من حمل هذه الآية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى قال : فلا{[7032]} جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تراضوا{[7033]} على زيادة به وزيادة للجعل{[7034]} .

قال السدي : إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى - يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها - قبل انقضاء الأجل بينهما فقال : أتمتع منك أيضا بكذا وكذا ، فازداد{[7035]} قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة ، وهو قوله : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } .

قال السدي : إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، فلا{[7036]} يرث واحد منهما صاحبه .

ومن قال بالقول الأول جعل معناه كقوله : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ]{[7037]} } [ النساء : 4 ] أي : إذا فرضت{[7038]} لها صداقًا فأبرأتك منه ، أو عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم الحضرمي أن رجالا كانوا يفرضون{[7039]} المهر ، ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة ، فقال : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أيها الناس { فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرَيضَةِ } يعني : إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ ، واختار هذا القول ابن جرير ، وقال [ علي ]{[7040]} بن أبي طلحة عن ابن عباس : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } والتراضي أن يُوَفيها صداقها ثم يخيرها ، ويعني{[7041]} في المقام أو الفراق .

وقوله : { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات [ العظيمة ]{[7042]} .


[7007]:زيادة من أ.
[7008]:في أ: "يعنى الإماء".
[7009]:في أ: "سبيًا".
[7010]:زيادة من جـ، أ.
[7011]:تفسير عبد الرزاق (1/153) وسنن الترمذي برقم (3017) وسنن النسائي الكبرى برقم (11097) وصحيح مسلم برقم (1456) وتفسير الطبري (8/153).
[7012]:في أ: "وكان ناس".
[7013]:في جـ، ر: "أو تأثموا".
[7014]:المسند (3/84) وصحيح مسلم برقم (1456) وسنن أبي داود برقم (2155) وسنن النسائي (6/110) وسنن الترمذي برقم (3016).
[7015]:في أ: "الآيات".
[7016]:في أ: "شقيق".
[7017]:زيادة من جـ، ر، أ.
[7018]:المذكور في رواية كل النسخ خمس لا ست.
[7019]:في جـ، ر، أ: "هذه".
[7020]:في ر: "يمينك فيها".
[7021]:زيادة من جـ، أ.
[7022]:في ر، أ: "طلاقا لهما".
[7023]:في جـ، ر، أ: "قاله".
[7024]:في أ: "واحد أو اثنين".
[7025]:في جـ، ر، أ: "هي الآية".
[7026]:في أ: "أحلتها آية وحرمتها آية".
[7027]:في أ: "بعضهم".
[7028]:زيادة من جـ.
[7029]:صحيح البخاري رقم (4216) وصحيح مسلم برقم (1407).
[7030]:في أ: "منه".
[7031]:صحيح مسلم برقم (1406).
[7032]:في جـ: "لا جناح".
[7033]:في جـ: "تتراضوا"
[7034]:في جـ: "الجعل".
[7035]:في جـ، ر: "فإن زاد".
[7036]:في جـ، أ: "ليس".
[7037]:زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7038]:في ر: "فرضتم".
[7039]:في أ: "يقرضون".
[7040]:زيادة من ر، أ.
[7041]:في أ: "بعد".
[7042]:زيادة من جـ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

{ والمحصنات من النساء } ذوات الأزواج ، أحصنهن التزويج أو الأزواج . وقرأ الكسائي بكسر الصاد في جميع القرآن لأنهن أحصن فروجهن . { إلا ما ملكت أيمانكم } يريد ما ملكت أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار فهن حلال للسابين ، والنكاح مرتفع بالسبي لقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه : أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج كفار ، فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية فاستحللناهن . وإياه عنى الفرزدق بقوله :

وذات حليل أنكحتها رماحنا *** حلال لمن يبني بها لم تطلق

وقال أبو حنيفة لو سبي الزوجان لم يرتفع النكاح ولم تحل للسابي . وإطلاق الآية والحديث حجة عليه . { كتاب الله عليكم } مصدر مؤكد ، أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا وقرئ كتب الله بالجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم " وكتب الله " بلفظ الفعل . { وأحل لكم } عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعول عطفا على { حرمت } . { ما وراء ذلكم } ما سوى المحرمات الثمان المذكورة . وخص عنه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع ، والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها . { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلكم إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصرف في مهورهن ، أو أثمانهن في حال كونكم محصنين غير مسافحين ، ويجوز أن لا يقدر مفعول تبتغوا وكأنه قيل إرادة أن تصرفوا أموالكم محصنين غير مسافحين أو بدل مما وراء ذلكم بدل الاشتمال . واحتج به الحنفية على أن المهر لا بد وأن يكون مالا . ولا حجة فيه . والإحصان العفة فإنها تحصين للنفس عن اللوم والعقاب ، والسفاح الزنا من السفح وهو صب المني فإنه الغرض منه . { فما استمتعتم به منهن } فمن تمتعتم به من المنكوحات ، أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن . { فآتوهن أجورهن } مهورهن فإن المهر في مقابلة الاستمتاع . { فريضة } حال من الأجور بمعنى مفروضة ، أو صفة مصدر محذوف أي إيتاء مفروضا أو مصدر مؤكد . { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه بالتراضي ، أو فيما تراضيا به من نفقة أو مقام أو فراق . وقيل : نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة ثم نسخت ، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أباحها ثم أصبح يقول : " يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا أن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة " . وهي النكاح المؤقت بوقت معلوم سمي بها إذ الغرض منه مجرد الاستمتاع بالمرأة ، أو تمتيعها بما تعطي . وجوزها ابن عباس رضي الله عنهما ثم رجع عنه . { إن الله كان عليما } بالمصالح . { حكيما } فيما شرع من الأحكام .