148- وبعد أن ذهب موسى إلى الجبل لمناجاة ربه ، اتخذ قومه من حليهم المخصصة للزينة جسما على صورة العجل الذي لا يعقل ولا يميز ، له صوت يشبه صوت البقر ، مما أودع فيه من الصناعة ومرور الريح بداخله . . وقد صنعه لهم السامري وأمرهم بعبادته . يا لسفاهة عقولهم . ألم يروا حين اتخذوه إلها وعبدوه أنه لا يكلمهم ولا يقدر على هدايتهم إلى طريق الصواب ؟ ! إنهم ظلموا أنفسهم بهذا العمل الشنيع .
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار لَهُ خُوَارٌ وصوت ، فعبدوه واتخذوه إلها .
وقال هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فنسي موسى ، وذهب يطلبه ، وهذا من سفههم ، وقلة بصيرتهم ، كيف اشتبه عليهم رب الأرض والسماوات ، بعجل من أنقص المخلوقات ؟ "
ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية ، ما يوجب أن يكون إلها أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ أي : وعدم الكلام نقص عظيم ، فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد ، الذي لا يتكلم وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا أي : لا يدلهم طريقا دينيا ، ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية ، لأن من المتقرر في العقول والفطر ، أن اتخاذ إله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من أبطل الباطل ، وأسمج السفه ، ولهذا قال : اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ حيث وضعوا العبادة في غير موضعها ، وأشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانا ، وفيها دليل على أن من أنكر كلام اللّه ، فقد أنكر خصائص إلهية اللّه تعالى ، لأن اللّه ذكر أن عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية .
يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل ، الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط ، الذي كانوا استعاروه منهم ، فشكل لهم منه عجلا ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل ، عليه السلام ، فصار عجلا جسدا له خوار ، و " الخوار " صوت البقر .
وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى [ عليه السلام ]{[12137]} لميقات ربه تعالى ، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور ، حيث يقول تعالى إخبارا عن نفسه الكريمة : { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } [ طه : 85 ]
وقد اختلف المفسرون في هذا العجل : هل صار لحما ودما له خوار ؟ أو استمر على كونه من ذهب ، إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر ؟ على قولين ، والله أعلم . ويقال : إنهم لما صَوّت لهم العجل رَقَصُوا حوله وافتتنوا به ، { فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } [ طه : 88 ] فقال الله تعالى : { أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } [ طه : 89 ]
وقال في هذه الآية الكريمة : { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا } ينكر تعالى عليهم في ضلالهم بالعجل ، وذُهُولهم عن خالق السماوات والأرض وربّ كل شيء ومليكه ، أن عبدوا{[12138]} معه عجلا جسدًا له خُوَار لا يكلمهم ، ولا يرشدهم إلى خير . ولكن غَطَّى على أعيُن بصائرهم{[12139]} عَمَى الجهل والضلال ، كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبو داود ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبك الشيء يُعْمي ويُصِم " {[12140]}
{ واتخذ قوم موسى من بعده } من بعد ذهابه للميقات . { من حُليّهم } التي استعاروا من القبط حين هموا بالخروج من مصر ، وإضافتها إليهم لأنها كانت في أيديهم أو ملكوها بعد هلاكهم . وهو جمع حلي كثدي وثدي . وقرأ حمزة والكسائي بالكسر بالاتباع كدلي ويعقوب على الإفراد . { عجلا جسدا } بدنا ذا لحم ودم ، أو جسدا من الذهب خاليا من الروح ونصبه على البدل . { له خوار } صوت البقر . روي أن السامري لما صاغ العجل ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبريل فصار حيا . وقيل صاغه بنوع من الحيل فتدخل الريح جوفه وتصوت ، وإنما نسب الاتخاذ إليهم وهو فعله إما لأنهم رضوا به أو لأن المراد اتخاذهم إياه إلها . وقرئ " جؤار " أي صياح . { ألم يروا أنه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا } تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنظر ، والمعنى ألم يروا حين اتخذوه إلها أنه لا يقدر على كلام ولا على إرشاد سبيل كآحاد البشر حتى حسبوا أنه خالق الأجسام والقوى والقدر . { اتخذوه } تكرير للذم أي اتخذوه إلها . { وكانوا ظالمين } واضعين الأشياء في غير مواضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.