{ 98 } { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }
يقول تعالى : { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ْ } من قرى المكذبين { آمَنَتْ ْ } حين رأت العذاب { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ْ } أي : لم يكن منهم أحد انتفع بإيمانه ، حين رأى العذاب ، كما قال تعالى عن فرعون ما تقدم قريبًا ، لما قال : { آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ْ } فقيل له { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ْ }
وكما قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ْ }
وقال تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا ْ }
والحكمة في هذا ظاهرة ، فإن الإيمان الاضطراري ، ليس بإيمان حقيقة ، ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان ، لرجع إلى الكفران .
وقوله : { إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا ْ } بعدما رأوا العذاب ، { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ْ } فهم مستثنون من العموم السابق .
ولا بد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة ، لم تصل إلينا ، ولم تدركها أفهامنا .
قال الله تعالى : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ْ } إلى قوله : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ْ } ولعل الحكمة في ذلك ، أن غيرهم من المهلكين ، لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه .
وأما قوم يونس ، فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر ، [ بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه ] والله أعلم .
يقول تعالى : فهلا كانت قرية آمنت بكمالها من الأمم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل ، بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه ، أو أكثرهم كما قال تعالى : { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] ، { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 52 ] ، { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ]{[14426]}-{[14427]} وفي الحديث الصحيح : " عرض علي الأنبياء ، فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس ، والنبي معه الرجل والنبي معه الرجلان ، والنبي ليس معه أحد " {[14428]} ثم ذكر كثرة أتباع موسى ، عليه السلام ، ثم ذكر كثرة أمته ، صلوات الله وسلامه عليه ، كثرة سدت الخافقين الشرقي{[14429]} والغربي .
والغرض أنه لم توجد{[14430]} قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى ، إلا قوم يونس ، وهم أهل نِينَوى ، وما كان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم ، بعد ما عاينوا أسبابه ، وخرج رسولهم من بين أظهرهم ، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به ، وتضرعوا{[14431]} لديه . واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم ، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم . فعندها رحمهم الله ، وكشف عنهم العذاب وأخروا ، كما قال تعالى : { إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } .
واختلف المفسرون : هل كُشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي ؟ أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط ؟ على قولين ، أحدهما : إنما كان ذلك في الحياة الدنيا ، كما هو مقيد في هذه الآية . والقول الثاني فيهما لقوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [ الصافات : 147 ، 148 ] فأطلق عليهم الإيمان ، والإيمان منقذ من العذاب الأخروي ، وهذا هو الظاهر ، والله أعلم .
قال قتادة في تفسير هذه الآية : لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب ، فتركت ، إلا قوم يونس ، لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم ، قذف الله في قلوبهم التوبة ، ولبسوا المسوح ، وفَرّقوا بين كل بهيمة وولدها ثم عَجّوا إلى الله أربعين ليلة . فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم ، والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم - قال قتادة : وذكر أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل .
وكذا روي عن ابن مسعود ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف ، وكان ابن مسعود يقرؤها : " فَهَلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ " .
وقال أبو عمران ، عن أبي الجَلْد قال : لما نزل بهم{[14432]} العذاب ، جعل يدور على رءوسهم كقطع الليل المظلم ، فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا : علمنا دعاء ندعو به ، لعل الله يكشف{[14433]} عنا العذاب ، فقال : قولوا : يا حيّ حين لا حيّ ، يا محيي الموتى{[14434]} لا إله إلا أنت . قال : فكشف عنهم العذاب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها} الإيمان عند نزول العذاب،
{إلا قوم يونس لما ءامنوا} يعني صدقوا وتابوا...
{كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} إلى منتهى آجالهم، فأخبرهم يا محمد أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فهلا كانت قرية آمنت...
ومعنى الكلام: فما كانت قرية آمنت عند معاينتها العذاب ونزول سخط الله بها بعصيانها ربها واستحقاقها عقابه، فنفعها إيمانها ذلك في ذلك الوقت، كما لم ينفع فرعون إيمانه حين أدركه الغرق بعد تماديه في غيّه واستحقاقه سخط الله بمعصيته. "إلاّ قَوْمَ يُونُسَ "فإنهم نفعهم إيمانهم بعد نزول العقوبة وحلول السخط بهم. فاستثنى الله قوم يونس من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم، وأخرجهم منهم، وأخبر خلقه أنه نفعهم إيمانهم خاصة من بين سائر الأمم غيرهم...
عن قتادة، قوله: "فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعها إيمانْها إلاّ قَوْمَ يُونسَ لمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحيَاةِ الدّنْيا وَمَتّعْناهُمْ إلى حِينٍ" يقول: لم يكن هذا في الأمم قبلهم لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت، إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة... فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم، كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم. قال: وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل...
وقوله: "لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحيَاةِ الدّنْيا" يقول: لما صدقوا رسولهم وأقرّوا بما جاءهم به بعدما أظلهم العذاب وغشيهم أمر الله ونزل بهم البلاء، كشفنا عنهم عذاب الهوان والذلّ في حياتهم الدنيا. "وَمَتّعْناهُمْ" إلى حينٍ يقول: وأخرنا في آجالهم ولم نعاجلهم بالعقوبة، وتركناهم في الدنيا يستمتعون فيها بآجالهم إلى حين مماتهم ووقت فناء أعمارهم التي قضيت فناءها.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
قومُ يونس تداركتْهم رحمةُ أزليةُ فيما أجرى من توفيقِ التضرع، فَكَشَفَ عنهم العذابَ، وصَرَفَ عنهم ما أظلَّ عليهم من العقوبة بعد ما عاينوا من تلك الأبواب؛ فبرحمته وصلوا إلى تضرعهم، لا بتضرعهم وصلوا إلى رحمته...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَلَوْلاَ كَانَتْ} فهلا كانت {قَرْيَةٌ} واحدة من القرى التي أهلكناها، تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة وقت بقاء التكليف، ولم تأخر كما أخر فرعون إلى أن أخذ بمخنقه {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} بأن يقبله الله منها لوقوعه في وقت الاختيار. وقرأ أبيّ وعبد الله: «فهلا كانت» {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} استثناء من القرى؛ لأنّ المراد أهاليها، وهو استثناء منقطع بمعنى: ولكن قوم يونس لما آمنوا. ويجوز أن يكون متصلاً والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلاّ قوم يونس...روي أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه، فذهب عنهم مغاضباً، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب... وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا، فرحمهم الله وكشف عنهم...
إن قال قائل إنه تعالى حكى عن فرعون أنه تاب في آخر الأمر ولم يقبل توبته وحكى عن قوم يونس أنهم تابوا وقبل توبتهم فما الفرق؟ والجواب: أن فرعون إنما تاب بعد أن شاهد العذاب، وأما قوم يونس فإنهم تابوا قبل ذلك فإنهم لما ظهرت لهم أمارات دلت على قرب العذاب تابوا قبل أن شاهدوا فظهر الفرق...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان هذا موضع أن يقال: إنما تطلب الآيات لما يرجى من تسبب الإيمان عنها، تسبب عنه أن يجاب بقوله تعالى: {فلولا} أي فهلا {كانت قرية} أي واحدة من قرى الأمم الماضية التي أهلكناها {آمنت} أي آمن قومها عند إتيان الآيات أو عند رؤية أسباب العذاب {فنفعهآ} أي فتسبب عن إيمانها ذلك أنه نفعها -{إيمانها} ولما كان المعنى "لولا "النفي، كان التقدير: لكن لم تؤمن قرية منهم إلاّ عند صدم العذاب كما فعل فرعون، لو آمن عند رؤية البحر على حال الفلق أو عند توسطه وقبل انسيابه عليه قُبِل، ولكنه ما آمن إلا بعد انهماره ومسه. وذلك حين لا ينفع لفوات شرطه من الإيمان بالغيب {إلاّ قوم يونس} فإنهم آمنوا عند المخايل وقت بقاء التكليف فنفعهم ذلك فإنهم {لمآ آمنوا} ودل على أنه قد كان أظلهم بقوله: {كشفنا} أي بعظمتنا {عنهم} أي حين إيمانهم... {عذاب الخزي} أي الذي كان يوجب لهم لو برك عليهم هوان الدارين {في الحياة الدنيا} أي فلم يأخذهم وقت رؤيتهم له {ومتعناهم} أي تمتيعاً عظيماً {إلى حين} وهو انقضاء آجالهم مفرقة كل واحد منهم في وقته المضروب له، وما ذكرته في معنى الآية نقله القاضي أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي في تفسيره المسند عن ابن أبي عمر قال: قال سفيان الثوري: {فلولا كانت قرية آمنت} قال: فلم تكن قرية آمنت، وهذا تفسير معنى الكلام، وأما "لولا" فهو بمعنى هلا، وهي على وجوه تحضيض وتأنيث، أي توبيخ، وهي هنا للتوبيخ. ويجوز أن تكون استفهامية بمعنى "لم لا"، ويلزم كلا من المعنيين النفي؛ والنفع: إيجاب اللذة بفعلها أو ما يؤدي إليها كالدواء الكريه المؤدي إلى اللذة؛ والخزي هو أن يفضح صاحبه، وهو وضع من القدر للغم الذي يلحق به، وأصله التعب.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} لولا هذه للتخضيض كما قال أئمة اللغة والنحو. والمراد بالقرية أهلها، وهم أقوام الأنبياء، فإنهم كلهم بعثوا في أهل الحضارة والعمران دون البادية. أي فهلا كان أهل قرية من قرى أقوام أولئك الرسل آمنت بدعوتهم وإقامة الحجة عليهم، فنفعها قبل وقوع العذاب الذي أنذروا به، أي أنه لم يؤمن قوم منهم برمتهم، فإن التحضيض يستلزم الجحد.
{إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ} قبل وقوع العذاب بهم بالفعل، وكانوا علموا بقربه من خروج نبيهم من بينهم، وروي أنهم رأوا علاماته، ويجوز في هذا الاستثناء الاتصال والانفصال.
{كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان في الدنيا؛ لأن نبيهم خرج بدون إذن الله تعالى له، فلم تتم عليهم الحجة، ولا حقت عليهم كلمة العذاب، وقد استدلوا بذهابه مغاضبا لهم على قرب وقوع العذاب كما أنذرهم فتابوا وآمنوا فكشفناه عنهم.
{ومَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أي ومتعناهم بمنافعها إلى زمن معلوم هو عمرهم الطبيعي الذي يعيشه كل منهم بحسب سنته تعالى في استعداد بنيته ومعيشته. وقد فصلنا الكلام في الأجل الذي يسمى الطبيعي وغيره في تفسير {ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده} [الأنعام: 2] من سورة الأنعام، ولا محل للبحث عن تعذيبهم في الآخرة كما فعل بعض المفسرين، فإن شهادة الله تعالى لهم بالإيمان النافع ظاهرة في قبوله منهم صريحة في أنه لا يعذبهم في الآخرة على سابق كفرهم، وإنما يجزون بغيره من أعمالهم بعد الإيمان.
هذا الذي فسرنا به الآية هو المتبادر من عبارتها، والموافق للسياق، ولسنة الله تعالى في أقوام الأنبياء عليهم السلام. وفيه تعريض بأهل مكة، وإنذار لهم، وحض على أن يكونوا كقوم يونس الذين استحقوا عذاب الخزي بعنادهم حتى إذا أنذرهم نبيهم قرب وقوعه، وخرج من بينهم، اعتبروا وآمنوا قبل اليأس، وحلول البأس، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- ما ثبت من خبره عليه السلام في تفسير سورتي الأنبياء والصافات، وهو موافق في جملته لما عند أهل الكتاب.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أولهما: الإهابة بالمكذبين أن يتعلقوا بخيوط النجاة الأخيرة، فلعلهم ناجون كما نجا قوم يونس من عذاب الخزي في الحياة الدنيا. وهو الغرض المباشر من سياقة القصة هذا المساق..
وثانيهما: أن سنة الله لم تتعطل ولم تقف بكشف هذا العذاب، وترك قوم يونس يتمتعون فترة أخرى. بل مضت ونفذت. لأن مقتضى سنة الله كان أن يحل العذاب بهم لو أصروا على تكذيبهم حتى يجيء. فلما عدلوا قبل مجيئه جرت السنة بإنجائهم نتيجة لهذا العدول. فلا جبرية إذن في تصرفات الناس، ولكن الجبرية في ترتيب آثارها عليها...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمستخلص من الروايات الواردة في قوم يونس أنهم بادروا إلى الإيمان بعد أن فارقهم يونس، توقعاً لنزول العذاب، وقبل أن ينزل بهم العذاب، وذلك دليل على أن معاملة الله إياهم ليست مخالفة لما عامل به غيرهم من أهل القرى، وأن ليست لقوم يونس خصوصية، وبذلك لا يكون استثنائهم استثناءاً منقطعاً. وإذ كان الكلام تغليطاً لأهل القرى المعرضين عن دعوة الرسل، وتعريضاً بالتحذير مما وقعوا فيه. كان الكلام إثباتاً صريحاً ووقوع قرية وهو نكرة في مساق الإثبات أفاد العموم بقرينة السياق... والكشف: إزالة ما هو ساتر لشيء، وهو هنا مجاز في الرفع. والمراد: تقدير الرفع وإبطال العذاب قبل وقوعه فعبر عنه بالكشف تنزيلاً لمقاربة الوقوع منزلة الوقوع. والخزي: الإهانة والذل...