القصة الثالثة : قصة يونس عليه السلام المذكورة بقوله تعالى : { فلولا } أي : فهلا { كانت قرية } واحدة من قرى الأمم الماضية التي أهلكناها { آمنت } أي : آمن أهلها عند إتيان الآيات أو عند رؤية أسباب العذاب { فنفعها } أي : فتسبب عن إيمانها ذلك أنه نفعها { إيمانها } بأن تقبله الله تعالى منها وكشف العذاب عنها ، وقوله تعالى : { إلا قوم يونس } استثناء منقطع بمعنى لكن قوم يونس { لما آمنوا } أي : لما أخلصوا الإيمان أوّل ما رأوا آية العذاب ولم يؤخروه إلى حلوله { كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } ويجوز أن يكون متصلاً ، والجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه كأنه قيل : ما آمن أهل قرية من القرى الهالكة فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس { ومتعناهم إلى حين } أي : إلى انقضاء آجالهم . روي عن ابن مسعود وغيره : أنّ قوم يونس كانوا بأرض نينوى من أرض الموصل ، فأرسل الله تعالى إليهم يونس عليه السلام ، يدعوهم إلى الإيمان فدعاهم فأبوا فقيل له : إنّ العذاب مصبحهم إلى ثلاثة أيام فأخبرهم بذلك فقالوا : إنا لم نجرب عليك كذباً ، فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أنّ العذاب مصبحكم .
فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس عليه السلام من بين أظهرهم ، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم قدر ميل . وقال وهب : غامت السماء غيماً عظيماً ، أسود هائلاً يدخن دخاناً عظيماً فهبط حتى غشى مدينتهم واسودّت سطوحهم ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه ، وقذف الله تعالى في قلوبهم التوبة ، فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وأولادهم ودوابهم ولبسوا المسوح ، وأظهروا الإيمان والتوبة ، وأخلصوا النية ، وفرّقوا بين كل والدة وولدها من النساء والدواب فحنّ بعضها إلى بعض ، وعلت أصواتها واختلطت بأصواتهم ، وعجوا وتضرّعوا إلى الله تعالى وقالوا آمنا بما جاء به يونس عليه السلام ، فرحمهم الله تعالى ، واستجاب دعاءهم ، وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم . وكل ذلك يوم عاشوراء يوم الجمعة ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بلغ من توبتهم أن ترادّوا المظالم حتى أنّ الرجل كان يقلع الحجر وكان قد وضع عليه أساس بنيانه فيردّه ، وقيل : خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا : قد نزل بنا العذاب فما ترى ؟ فقال لهم : قولوا يا حيّ حين لا حيّ ، ويا حيّ محيي الموتى ، ويا حيّ لا إله إلا أنت . فقالوها ، فكشف عنهم . وعن الفضيل بن عياض : اللَّهمَّ إنّ ذنوبنا قد عظمت وجلت ، وأنت أعظم منها وأجل ، افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، وستأتي بقية القصة إن شاء الله تعالى في سورة والصافات .
فإن قيل : قد حكى الله تعالى عن فرعون أنه تاب في آخر الأمر ولم يقبل توبته ، وحكى عن قوم يونس أنهم آمنوا وقبل توبتهم ، فما الفرق بين الحالين ؟ أجيب : بأنّ فرعون إنما تاب بعد أن شاهد العذاب وهو وقت اليأس من الحياة ، أمّا قوم يونس فإنهم تابوا قبل ذلك ، فإنهم لما ظهرت أمارات دلت على قرب العذاب تابوا قبل أن ينزل بهم ولم يباشرهم ، فكانوا كالمريض يخاف الموت ويرجو العافية ، وإنّ الله تعالى قد علم صدق نياتهم في التوبة فقبل توبتهم بخلاف فرعون فإنه لم يصدق في إيمانه ولا أخلص فلم يقبل منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.