النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ} (98)

قوله عز وجل : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَت فَنَفَعَها إيمَانُهَا } والمراد بالقرية أهل القرية . { إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ . . . } وهم أهل نينوى من بلاد الموصل فإن يونس عليه السلام وعدهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام ، فقالوا : انظروا يونس فإن خرج عنا فوعيده حق ، فلما خرج عنهم تحققوه ففزعوا إلى شيخ منهم فقال : توبوا وادعوا وقولوا يا حي حين لاحي ، ويا حي يا محيي الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت ، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل والدة وولدها ، وخرجوا من قريتهم تائبين داعين فكشف الله عنهم العذاب كما قال تعالى :{ . . . كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وفيه وجهان :

أحدهما : أنهم تابوا قبل أن يروا العذاب فلذلك قبل توبتهم ، ولو رأوه لم يقبلها كما لم يقبل من فرعون إيمانه لما أدركه الغرق .

الثاني : أنه تعالى خصهم بقبول التوبة بعد{[1347]} رؤية العذاب ، قال قتادة : كشف عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم ولم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل .

{ وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حينٍ } فيه تأويلان :

أحدهما : إلى أجلهم ، قاله السدي .

الثاني : إلى أن يصيرهم إلى الجنة أو النار ، قاله ابن عباس .

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إن الحذر لا يرد القدر ، وإن الدعاء يرد القدر ، وذلك أن الله تعالى يقول : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ } قال عليّ رضي الله عنه ذلك يوم عاشوراء .


[1347]:سقط من ق.