قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } يقول : لم يكن أهل قرية كافرة آمنت عند نزول العذاب { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } وقبل منها الإيمان ، ودفع عنهم العذاب { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } . قال مقاتل : فلولا ، على ثلاثة أوجه : الأول يعني : فلم ، مثل قوله : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون } . الثاني : فلولا يعني : فهلاّ كقوله : { فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 43 ] { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } [ الواقعة : 86 ] والثالث : فلولا يعني : فلوما ، كقوله :
{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الامن أَوِ الخوف أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 83 ] { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين } [ الصافات : 143 ] .
ويقال : { فلولا } هاهنا ، بمعنى فهلا كانت قرية آمنت ، فنفعها إيمانها . ومعناه فهلاّ آمنت في وقت ينفعها إيمانها . فأعلم الله تعالى ، أن الإيمان لا ينفع عند نزول العذاب ، ثمّ قال : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } معناه : لكن قوم يونس { لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ } يعني : آمنوا قبل المعاينة ، فكشفنا عنهم . وروى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } كما نفع قوم يونس . وعن قتادة : إنَّ قوم يونس عليه السلام خرجوا ونزلوا على تل ، فدعوا الله تعالى أربعين ليلة ، حتى تاب الله عليهم . وروي عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم أنَّ يونس بعثه الله تعالى إلى قومه ، فدعاهم إلى عبادة الله تعالى ، وترك ما هم فيه من الكفر ، فأبوا ، فدعا ربه فقال : يا رب قد دعوتهم ، فأبوا . فأوحى الله تعالى إليه أن ادعهم ، فإن أجابوك وإلا فأعلمهم أن العذاب يأتيهم إلى ثلاثة أيام . فدعاهم فلم يجيبوه ، فأخبرهم بالعذاب ، فقالوا : ما جربنا عليه كذباً مذ كان معنا ، فإن لم يلبث معكم ، وخرج من عندكم ، فاحتالوا لأنفسكم . فلمّا كان بعض الليل خرج يونس من بينهم ، فلما كان اليوم الثالث رأوا حمرة وسواداً في السماء ، كهيئة النار والدخان ، فظنُّوا أن العذاب نازل بهم ، فجعلوا يطلبون يونس عليه السلام فلم يجدوه ، فلما كان آخر النهار أيسوا من يونس . وجعل يهبط السواد والحمرة ، فقال قائل منهم : إن لم تجدوا يونس عليه السلام فإنكم تجدون رب يونس ، فادعوه ، وتضرعوا إليه .
فخرجوا من القرية إلى الصحراء ، وأخرجوا النساء والصبيان والبهائم ، وفرقوا بين كل إنسان وولده ، وبين كل بهيمة وولدها ، ثمّ عجوا إلى الله تعالى مؤمنين ، مصدقين . وارتفعت أصوات الرجال والنساء والصبيان ، وخوار البهائم وأولادها ، واختلطت الأصوات ، وقربت منهم الحمرة والدخان ، حتى غشي السواد سطوحهم ، وبلغهم حرُّ النار . فلما عرف الله تعالى منهم صدق التوبة ، رفع عنهم العذاب بعدما كان غشيهم ، فذلك قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ } يعني : لم يكن أهل قرية آمَنَتْ { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } عند نزول العذاب { إلا قوم يونس لما آمنوا } يعني : صدّقوا بالألسن والقلوب ، عرف الله تعالى منهم الصدق ، { كَشَفْنَا عَنْهُمُ } يعني : رفعنا وصرفنا .
{ عَذَابَ الخزى فِى الحياة الدنيا } يعني : عذاب الهون ، { وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ } يعني : إلى منتهى آجالهم . وفي هذه الآية تخويف وتهديد لكفار مكة ، ولجميع الكفار إلى يوم القيامة ، أنهم إن لم يؤمنوا ينزل بهم العذاب ، فلا ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.