التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ} (98)

قوله تعالى : { فلولا كانت قرية آمنت فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } لولا أداة تحضيض . { قوم يونس } ، منصوب من وجهين . أحدهما : استثناء منقطع . والثاني : أن يكون منصوبا على الاستثناء غر المنقطع بأن يقدر في الكلام حذف مضاف ، تقدير : فلولا كان أهل القرية آمنوا إلا قوم يونس . ورفعه بعضهم على البدل{[2034]} والمعنى : هلا كانت قرية من الأمم السابقة آمنت بكاملها ! بل إنه ما أرسلنا من رسول في السابقين إلا كذبه قومه أو أكثرهم . ويدل على ذلك قوله سبحانه { يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون } وقوله عز وعلا : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } والمقصود : انه ليس ثمة قرية من الأمم السابقة آمن بكاملها إلا قوم يونس ؛ فقد نفعهم إيمانهم بعد نزول العقاب بهم . فاستثناهم الله من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد أن نزل العذاب بساحتهم . وهو قوله : { إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } فقد أرسل الله إليهم يونس بن متي عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد وطاعة الله وحده دون ما يعبدونه من أوثان فأبوا ، وذلك في نينوي من أرض الموصل ، فذهب عنهم مغاضبا ، فلما فقدوه خافوا أن يزول بهم العذاب ، فلبسوا المسوح وعجوا{[2035]} أربعين ليلة . وقيل : قال لهم يونس : إن أجلكم أربون ليلة . فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك . فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسود سطوحهم ، فلبسوا المسوح ، وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرقوا بين النساء والصبيان ، وبين الدواب وأولادها ، فحن بعضها على بعض ، وعلت الأصوات والعجيج ، وأظهروا الإيمان والتوبة ، وتضرعوا فرحمهم الله وكشف عنهم عذاب الذل والهوان ، وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة .

وبذلك لم يعاجلهم الله بالعقاب ؛ بل تركهم يتمتعون في حياتهم الدنيا إلى حين مماتهم وانقضاء أعمارهم{[2036]} .


[2034]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 420.
[2035]:عجوا. من العج وهو رفع الصوت. وقد عج يعج عجيجا. وعجعج؛ أي صوت مرة بعد أخرى. والعجاج بالفتح؛ الغبار. انظر مختار الصحاح ص 413.
[2036]:الكشف جـ 2 ص 254 وتفسير الطبري جـ 11 ص 117.