تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ} (98)

{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ 98 }

المفردات :

فلولا : لولا : كلمة تفيد : الحث على الفعل بمعنى : هلا .

قرية : اسم للمباني المتصلة التي يسكنها جمع من الناس ، وقد جاء في القرآن الكريم أن القرية والمدينة بمعنى واحد ؛ قال تعالى : { حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه } . ثم قال : { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } . وقيل : القرية : بلدة أصغر من المدينة والمراد من القرية في الآية : أهلها .

التفسير :

98 { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا . . . } الآية .

أي : هلا كان أهل كل قرية من قرى الرسل الذين أرسلوا إليهم ، آمنوا بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم ، وقبل نزول العذاب واستحالة الإيمان ؛ فنفعهم إيمانهم .

{ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } .

أي : لكن قوم يونس عليه السلام ، الذي بعث في أهل نينوى ، بأرض الموصل ، شمال العراق ، كانوا قد كفروا ، ثم لما رأوا أمارات العذاب ؛ تضرعوا إلى الله وأخلصوا التوبة ، وأظهروا الإيمان ؛ فرحمهم الله تعالى ، وكشف عنهم العذاب . أي : العذاب الذي وعدهم يونس بنزوله ، وقبل إيمانهم ، ومتعهم إلى أجلهم ، وفي القصة تعريض بأهل مكة ، وحض لهم على أن يكونوا كقوم يونس .

وذهب الأستاذ عبد الكريم الخطيب : إلى أن المراد بالقرية هنا : مكة .

ومعنى الآية : «هلا أسرعت مكة إلى الإيمان بالنبي المبعوث منها وفيها ؛ فانتفعت بهذا الإيمان قبل غيرها ؛ لأنها أولى به ؛ إذ كان مطلعه في أفقها ، ولكن الواقع أنها لم تؤمن فحرمت هذا الخير وذلك هو حال معظم الأقوام مع أنبياءهم ، إلا قوم يونس ، فإنهم آمنوا ؛ فنجاهم الله من العذاب الذي أوشك أن يحل بهم » .

قصة يونس

يونس بن متى ، ويقول أهل الكتاب يونس بن أمتاي ، وقد أرسله الله تعالى إلى نينوى من أرض الموصل ، فكذبوه فوعدهم بالعذاب بعد مدة ، قيل : إلى أربعين يوما ، وذهب عنهم مغاضبا ، فلما فقدوه ؛ خافوا نزول العذاب ، ولما دنا الموعد غامت السماء غيما أسودا ، ذا دخان شديد ؛ فهبط حتى غشي مدينتهم ، فهابوا ، فطلبوا يونس فلم يجدوه ، فأيقنوا صدقه ، فلبسوا المسوح ، وبرزوا إلى الفضاء بأنفسهم ، ونسائهم ، ودوابهم ، وفرقوا بين كل والدة وولدها ، فنحن بعضها إلى بعض ، وعلت الأصوات والعجيج ، وأخلصوا التوبة ، وأظهروا الإيمان ، وتضرعوا إلى الله تعالى ؛ فرحمهم وكشف عنهم ، وكان ذلك يوم عاشوراء يوم الجمعة . xxxv

وعن ابن مسعود رضي الله عنه : بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم ، حتى إن الرجل كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه فيرده إلى صاحبه . xxxvi

قال علي رضي الله عنه : إن الحذر لا يرد القدر ، وإن الدعاء ليرد القدر .

من تفسير الشوكاني :

{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا . . . } الآية .

فهلا قرية واحدة من هذه القرى التي أهلكناها ، آمنت إيمانا معتدا به ، وذلك بأن يكون خالصا لله قبل معاينة عذابه ، ولم يؤخروه كما أخره فرعون .

{ إلا قوم يونس } . لكن قوم يونس ، { لما آمنوا } . إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب .

{ كشفنا عنهم عذاب الخزي } . وهو العذاب الذي كان قد وعدهم يونس أنه سينزل عليهم ولم يروه ، فرأوا علاماته دون عينه .

{ ومتعناهم إلى حين } . أي : بعد كشف العذاب عنهم . xxxvii