المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

185- وهذه الأيام هي شهر رمضان الجليل القدر عند الله ، لقد أنزل فيه القرآن يهدي جميع الناس إلى الرشد ببيِّاناته الواضحة الموصلة إلى الخير ، والفاصلة بين الحق والباطل على مَرِّ العصور والأجيال ، فمن أدرك هذا الشهر سليماً غير مريض ، مقيماً غير مسافر فعليه صومه ، ومن كان مريضاً مرضاً يضر معه الصوم ، أو كان في سفر ، فله أن يفطر وعليه قضاء صيام ما أفطره من أيام الصوم ، فإن الله لا يريد أن يَشُقَّ عليكم في التكاليف وإنما يريد لكم اليسر ، وقد بين لكم شهر الصوم وهداكم إليه لتكملوا عدة الأيام التي تصومونها وتكبروا الله على هدايته إياكم وحسن توفيقه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } أي : الصوم المفروض عليكم ، هو شهر رمضان ، الشهر العظيم ، الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم ، وهو القرآن الكريم ، المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية ، وتبيين الحق بأوضح بيان ، والفرقان بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، وأهل السعادة وأهل الشقاوة .

فحقيق بشهر ، هذا فضله ، وهذا إحسان الله عليكم فيه ، أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام .

فلما قرره ، وبين فضيلته ، وحكمة الله تعالى في تخصيصه قال : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر .

ولما كان النسخ للتخيير ، بين الصيام والفداء خاصة ، أعاد الرخصة للمريض والمسافر ، لئلا يتوهم أن الرخصة أيضا منسوخة [ فقال ] { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } أي : يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ، ويسهلها أشد{[125]} تسهيل ، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله .

وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله ، سهَّله تسهيلا آخر ، إما بإسقاطه ، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات .

وهذه جملة لا يمكن تفصيلها ، لأن تفاصيلها ، جميع الشرعيات ، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات .

{ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } وهذا - والله أعلم - لئلا يتوهم متوهم ، أن صيام رمضان ، يحصل المقصود منه ببعضه ، دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته ، ويشكر الله [ تعالى ] عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده ، وبالتكبير عند انقضائه ، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد .


[125]:- في ب: أبلغ تسهيل.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

178

وتحبيب آخر في أداء هذه الفريضة للصحيح المقيم . . إنها صوم رمضان : الشهر الذي أنزل فيه القرآن - إما بمعنى أن بدء نزوله كان في رمضان ، أو أن معظمه نزل في أشهر رمضان - والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد ، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور ، فأنشأها هذه النشأة ، وبدلها من خوفها أمنا ، ومكن لها في الأرض ، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة ، ولم تكن من قبل شيئا . وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء . فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن :

( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . . فمن شهد منكم الشهر فليصمه . ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) . .

وهذه هي الآية الموجبة الناسخة لرخصة الإفطار والفدية بالنسبة للصحيح المقيم - فيما عدا الشيخ والشيخة كما أسلفنا :

( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) . .

أي من حضر منكم الشهر غير مسافر . أو من رأى منكم هلال الشهر . والمستيقن من مشاهدة الهلال بأية وسيلة أخرى كالذي يشهده في إيجاب الصوم عليه عدة أيام رمضان .

ولما كان هذا نصا عاما فقد عاد ليستثني منه من كان مريضا أو على سفر :

( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) . .

وتحبيب ثالث في أداء الفريضة ، وبيان لرحمة الله في التكليف وفي الرخصة سواء :

( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) . .

وهذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها . فهي ميسرة لا عسر فيها . وهي توحي للقلب الذي يتذوقها ، بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها ؛ وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد . سماحة تؤدي معها كل التكاليف وكل الفرائض وكل نشاط الحياة الجادة وكأنما هي مسيل الماء الجاري ، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء . مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين .

وقد جعل الصوم للمسافر والمريض في أيام أخر ، لكي يتمكن المضطر من إكمال عدة أيام الشهر ، فلا يضيع عليه أجرها :

( ولتكملوا العدة ) .

والصوم على هذا نعمة تستحق التكبير والشكر :

( ولتكبروا الله على ما هداكم . ولعلكم تشكرون ) . .

فهذه غاية من غايات الفريضة . . أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم . وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة . وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية ، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها . وهم شاعرون بالهدى ملموسا محسوسا . ليكبروا الله على هذه الهداية وليشكروه على هذه النعمة . ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة . كما قال لهم في مطلع الحديث عن الصيام : ( لعلكم تتقون ) . .

وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقا على الأبدان والنفوس . وتتجلى الغاية التربوية منه ، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه ، أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( 185 )

الشهر مشتق من الاشتهار لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده ، ورمضان علقه الاسم من مدة كان فيها في الرمض وشدة الحر( {[1689]} ) ، وكان اسمه قبل ذلك ناتقاً( {[1690]} ) ، كما سمي ربيع من مدة الربيع ، وجمادى من مدة الجمود ، وكره مجاهد أن يقال رمضان دون أن يقال { شهر رمضان } كما قال الله تعالى ، وقال : لعل رمضان اسم من أسماء الله عز وجل .

وقرأ الجمهور : «شهرُ » بالرفع ، ووجهه خبر ابتداء ، أي ذلكم شهر ، وقيل : بدل من الصيام ، [ البقرة : 183 ] وقيل : على الابتداء وخبره { الذي أنزل فيه القرآن } ، وقيل : ابتداء وخبره { فمن شهد }( {[1691]} ) ، و { الذي أنزل } نعت له ، فمن قال إن { الصيام } في قوله { كتب عليكم الصيام } [ البقرة : 183 ] هي ثلاثة أيام وعاشوراء قال هاهنا بالابتداء ، ومن قال : إن { الصيام } هنالك هو رمضان وهو الأيام المعدودة قال هنا بخبر الابتداء أو بالبدل من الصيام ، وقرأ مجاهد وشهر بن حوشب «شهرَ » بالنصب ، ورواها أبو عمارة عن حفص عن عاصم ورواها هارون عن أبي عمرو ، وهي على الإغراء ، وقيل : نصب ب { تصوموا }( {[1692]} ) [ البقرة : 184 ] وقيل : نصب على الظرف ، وقرأت فرقة بإدغام الراء في الراء وذلك لا تقتضيه الأصول لاجتماع الساكنين فيه( {[1693]} ) .

واختلف في إنزال القرآن فيه : فقال الضحاك : أنزل في فرضه وتعظيمه و الحض عليه ، وقيل : بدىء بنزوله فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس فيما يؤثر( {[1694]} ) : أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من رمضان ، ثم كان جبريل ينزله رسلاً( {[1695]} ) في الأوامر والنواهي والأسباب ، وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين »( {[1696]} )

وترك ابن كثير همزة { القرآن } مع التعريف والتنكير حيث وقع ، وقد قيل : إن اشتقاقه على هذه القرآءة من قرن وذلك ضعيف ، و { هدى } في موضع نصب على الحال من { القرآن } ، فالمراد أن القرآن بجملته من محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ هدى ، ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه يعني الحلال والحرام والمواعظ ، والمحكم كله ، فالألف واللام في { الهدى } للعهد والمراد الأول( {[1697]} ) ، و { الفرقان } المفرق بين الحق والباطل ، و { شهد } بمعنى حضر( {[1698]} ) ، و { الشهر } نصب على الظرف ، والتقدير : من حضر المصر في الشهر ، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي والزهري وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو حيوة «فَلِيَصُمْه » بتحريك اللام ، وكذلك قرؤوا لام الأمر في جميع القرآن على أصلها الذي هو الكسر ، وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وعبيدة السلماني : من شهد أي من حضر دخول الشهر وكان مقيماً في أوله فليكمل صيامه سافر بعد ذلك أو أقام وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر( {[1699]} ) ، وقال جمهور الأمة : من شهد أول الشهر أو آخره فليصم ما دام مقيماً ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : من شهد الشهر بشروط التكليف غير مجنون ولا مغمى عليه فليصمه ، ومن دخل عليه رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه لأنه لم يشهد بصفة يجب بها الصيام ، ومن جن أول الشهر أو آخره فإنه يقضي أيام جنونه ، ونصب { الشهر } على هذا التأويل هوعلى المفعول( {[1700]} ) الصريح ب { شهد } ، وقوله تعالى : { أو على سفر } بمنزلة أو مسافراً فلذلك عطف على اسم ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويحيى بن وثاب وابن هرمز وعيسى بن عمر «اليُسُر » و «العسُر »( {[1701]} ) بضم السين ، والجمهور : بسكونه ، وقال مجاهد والضحاك بن مزاحم : اليسر الفطر في السفر و { العسر } الصوم في السفر ، والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين( {[1702]} ) ، وقد فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم «دين الله يسر »( {[1703]} ) .

وقوله تعالى : { ولتكملوا العدة } معناه وليكمل من أفطر في سفره أو في مرضه عدة الأيام التي أفطر فيها ، وقرأ أبو بكر عن عصام وأبو عمرو في بعض ما روي عنه «ولتكمّلوا » بتشديد الميم ، وقد روي عنهما التخفيف كالجماعة( {[1704]} ) ، وهذه اللام متعلقة إما ب { يريد } فهي اللام الداخلة على المفعول ، كالذي في قولك ضربت لزيد ، المعنى ويريد إكمال العدة وهي مع الفعل مقدرة بأن ، كأن الكلام : ويريد لأن تكملوا( {[1705]} ) ، هذا قول البصريين ، ونحوه قول قيس كثير بن صخر : [ الطويل ] :

أُرِيدُ لأَنْسَى ذِكْرَهَا . . . ( {[1706]} ) وإما بفعل مضمر بعد ، تقديره ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة ، وهذا قول بعض الكوفيين ، ويحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام( {[1707]} ) .

وقوله : { ولتكبروا الله } حض على التكبير في آخر رمضان ، واختلف الناس في حده ، فقال ابن عباس : «يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ، ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره » ، وقال قوم : يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام إلى الصلاة ، وقال سفيان : «هو التكبير يوم الفطر » ، وقال مالك : «هو من حين يخرج الرجل من منزله إلى أن يخرج الإمام »( {[1708]} ) ، ولفظه عند مالك وجماعة من العلماء : «الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر » ، ثلاثاً ، ومن العلماء من يكبر ثم يهلل ويسبح أثناء التكبير ، ومنه من يقول : «الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً » . وقد قيل غير هذا ، والجميع حسن واسع مع البدأة بالتكبير .

و { هداكم } ، قيل المراد لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم ، وتعميم الهدى جيد ، و { لعلكم تشكرون } ترجِّ في حق البشر ، أي على نعمة الله في الهدى .


[1689]:- يقال: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام الحر فقيل له: رمضان.
[1690]:- يقال صام ناتقا أي شهر رمضان، وإنما سمي ناتقا لأنه كان ينتقهم أي ينطقهم لشدته عليهم وفي بعض النسخ ناثراً.
[1691]:- الفاء زائدة على قول الأخفش، وعلى قول غيره ليست زائدة لوصف الشهر بالذي، فدخلت الفاء فيه كما تدخل في نفس خبر الذي – ومثل هذا قول الله تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) والضمير الذي يربط بين المبتدأ والخبر هو وضع الظاهر موضع المضمر بقصد التفخيم، أي: فمن شهده منكم فليصمه.
[1692]:- أي من قوله تعالى: [وأن تصوموا خير لكم] إلا أن فيه الفصل بين صلة أن ومعمولها بالخبر.
[1693]:- أي على مذهب أكثر البصريين، وأما على مذهب غيرهم فهو جائز، فإن صح النقل عنهم وجب المصير إليه – وهذا في الحرف الصحيح كما هنا، وأما في حرف العلة كما في قولك: هذا ثوب بكر فجائز اتفاقا.
[1694]:- أي فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو بواسطة.
[1695]:- رسلا بفتح الراء والسين: القطعة، والجماعة من الناس، يقال: جاءت الخيل والإبل إرسالا، رَسَلا بعد رسل – فالجمع: أَرْسَالٌ.
[1696]:- يشير بهذا الحديث إلى أن سائر الكتب السماوية أنزلت في رمضان فلا مفهوم للقرآن. وواثلة بن الأسقع ليْثي من أهل الصفة شهد تبوك، وهو آخر من مات من الصحابة، وقد شهد فتح دمشق وحمص، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة، وعن أم سلمة. وتوفي سنة 83هـ. وقيل 85هـ.
[1697]:- وهو جملة القرآن من محكم ومتشابه إلى آخره.
[1698]:- شهد لها معان: الحضور كما هنا، والإخبار كما في نحو: شهد عند الحاكم بكذا، أي أخبره به، والعلم كما في قوله تعالى: [شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط] – فشهد هنا معناها: حضر، وليس معناها شاهد ورأى، فلا دلالة في الآية على اعتبار الرؤية في الصوم، لأن الحضور في الشهر أعم من أن يكون ثابتا بالرؤية أو بالحساب. والمراد بالحضور الاحتراز عن المسافر، ودليل وجوب الصوم والرؤية قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).
[1699]:- قال (ك): وهذا القول غريب، نقله أبو محمد بن حزم في كتابه "المحلى" عن جماعة من الصحابة والتابعين، وفيما حكاه عنهم نظر، والله أعلم فإنه قد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح فسار حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأمر الناس بالفطر. أخرجه صاحبا الصحيح.
[1700]:- أي لا على الظرفية، ونحوه قولهم: شهدت الجمعة.
[1701]:- [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] الإرادة جاءت في الشريعة على معنيين: الإرادة الكونية القدرية التي تتعلق بكل مراد، فما أراد الله أن يكون كان، وما لم يرد أن يكون فلا سبيل إلى كونه – والإرادة الأمرية الشرعية التي تتعلق بطلب إيقاع المأمور به وعدم إيقاع المنهي عنه. ومعنى هذه الإرادة أن يحبّ فعل ما أمر به ويرضاه، ويحب أن يفعله المأمور ويرضاه منه – فمن المعنى الأول قوله تعالى: [فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيِّقا حرجا] وقوله تعالى في حكاية نوح عليه السلام: [ولا ينفعكم نُصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يُغويكم] وقوله تعالى: [ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد]. ومن المعنى الثاني قوله تعالى: [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] وقوله تعالى: [ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم] الآية، وقوله تعالى: [يريد الله ليبيّن لكم ويهديَكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم] إلى قوله: [يريد الله أن يخفّف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا]. ولأجل عدم التنبيه للفرق بين الإرادتين وقع الغلط في المسألة. فربما نفى بعض الناس الإرادة عن الأمر والنهي مطلقا، وربما نفاها بعضهم عما لم يؤمر به مطلقا وأثبتها في الأمر مطلقا، ومن عرف الفرق بين الموضعين لم يلتبس عليه شيء من ذلك. انتهى. من (الموافقات) باختصار.
[1702]:- أي الدنيوية والأخروية، ويندرج في ذلك الفطر في السفر، والصيام فيه، وكأن من فسر اليسر والعسر بذلك إنما أراد التمثيل لأن الآية جاءت في سياق ما قبلها.
[1703]:- رواه الإمام أحمد، وأبو بكر بن مردويه بلفظ: «إنّ دينَ الله في يُسْر».
[1704]:- فَعَّل وأفْعَل كثيرا ما يستعمل أحدهما موضع الآخر، ومن ذلك قوله تعالى (فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُويدا).
[1705]:- لو قال: وهي مع الفعل مقدر (أن) بعدها. يدل على ذلك قوله: «فكأن الكلام: ويريد لأن تكملوا العدة، فأظهر أن بعد اللام» قاله (ح).
[1706]:- تمامه: .............................. تَمَثَّلُ لِـي لَيْلَى بكلِّ طــريــق وهو لأبي صخر كثير بن عبد الرحمن الخزاعي.
[1707]:- قال (ح): لم يذكر هذا الوجه غير ابن عطية، وقد ناقشه وضعفه – وقوله: «والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام» يشير إلى أنه إذا كان اللام لام الأمر فالعطف من باب عطف الجمل، وأما على الإعراب الأول فهو من باب عطف المفردات.
[1708]:- هو قول شيخ المالكية في مختصره: «وخروج بعد الشمس، وتكبير فيه حينئذ لا قبله، وصحيح خلافه وجهر به، وهل لمجيئ الإمام أو لقيام الصلاة تأويلان، ثم قال: ولفظه وهو: الله أكبر ثلاثا، وإن قال – بعد تكبيرتين – لا إله إلا الله، ثم تكبيرتين ولله الحمد فحسن». انتهى.