الشهر مصدر : شهر الشيء يشهره ، أظهره ومنه الشهرة ، وبه سمي الشهر ، وهو : المدة الزمانية التي يكون مبدؤ الهلال فيها خافياً إلى أن يستسر ، ثم يطلع خافياً .
سمي بذلك لشهرته في حاجة الناس إليه في المعاملات وغيرها من أمورهم وقال الزجاج : الشهر الهلال .
سمي بذلك لبيانه ، وقيل : سمي الشهر شهراً باسم الهلال إذا أهل سمي شهراً ، وتقول العرب : رأيت الشهر أي : هلاله .
ترى الشهر قبل الناس وهو نحيل***
ويقال : أشهرنا ، أي : أتى علينا شهر ، وقال الفراء : لم أسمع منه فعلاً إلاَّ هذا ، وقال الثعلبي : يقال شَهَرَ الهلال إذا طلع ، ويجمع الشهر قلة على : أفعل ، وكثرة على : فعول ، وهما مقيسان فيه .
رمضان علم على شهر الصوم ، وهو علم جنس ، ويجمع على : رمضانات وأرمضة ، وعلقة هذا الاسم من مدة كان فيها في الرمضى ، وهو : شدة الحرة ، كما سمي الشهر ربيعاً من مدّة الربيع ، وجمادى من مدّة الجمود ، ويقال : رمض الصائم يرمض : احترق جوفه من شدة العطش ، ورمضت الفِصال : أحرق الرمضاء أخفافها فبركت من شدّة الحر ، وانزوت إلى ظلّ أمهاتها ، ويقال : أرمضته الرمضاء : أحرقته ، وأرمضني الأمر .
وقيل : سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب ، أي : يحرقها بالأعمال الصالحة ، وقيل : لأن القلوب تحترمَنَّ الموعظة فيه والفكرة في أمر الآخرة ، وقيل : من رمضت النصل : رققته بين حجرين ليرق ، ومنه : نصل رميض ومرموض ، عن ابن السكيت .
وكانوا يرمضون أسلحتهم في هذا الشهر ليحاربوا بها في شوّال قبل دخول الأشهر الحرام ، وكان هذا الشهر في الجاهلية يسمى : ناتقاً أنشد المفضل .
وفي ناتق أحلت لدى حرمة الوغى***
وقال الزمخشري : الرمضان ، مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء .
ويحتاج في تحقيق أنه مصدر إلى صحة نقل لأن فعلاناً ليس مصدر فعل اللازم ، بل إن جاء فيه ذلك كان شاذاً ، والأولى أن يكون مرتجلاً لا منقولاً .
وقيل : هو مشتق من الرمض ، وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهر الأرض من الغبار .
أي : وقراءة وأطلق على ما بين الدفتين من كلام الله عزّ وجلّ ، وصار علماً على ذلك ، وهو من إطلاق المصدر على اسم المفعول في الأصل ، ومعنى : قرآن ، بالهمز : الجمع لأنه يجمع السور ، كما قيل في القرء ، وهو : إجماع الدّم في الرحم أولاً ، لأن القارىء يلقيه عند القراءة من قول العرب : ما قرأت هذه الناقة سلا قط : أي : ما رمت به ، ومن لم يهمز فالأظهر أن يكون ذلك من باب النقل والحذف ، أو تكون النون أصلية من : قرنت الشيء إلى الشيء : ضممته ، لأن ما فيه من السور والآيات والحروف مقترن بعضها إلى بعض .
أو لأن ما فيه من الحكم والشرائع كذلك ، أو ما فيه من الدلائل ومن القرائن ، لأن آياته يصدّق بعضها بعضاً ، ومن زعم من : قريت الماء في الحوض ، أي : جمعته ، فقوله فاسد لاختلاف المادتين .
السفر : مأخوذ من قولهم : سفرت المرأة إذا ألقت خمارها ، والمصدر السفور .
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت***
وتقول : سفر الرجل ألقى عمامته ، وأسفر الوجه ، والصبح أضاء .
الأزهري سمي مسافراً لكشف قناع الكنّ عن وجهه ، وبروزه للأرض الفضاء ، والسفْر ، بسكون الفاء : المسافرون ، وهو اسم جمع : كالصحْب والركْب ، والسِفر من الكتب : واحد الأسفار لأنه يكشف عما تضمنة .
اليسر : السهولة ، يسَّر : سهّل ، ويسُر : سهُل ، وأيسر : استغنى ، ويسر ، من الميسر ، وهو : قمار ، معروف .
وسميت اليد اليسرى تفاؤلاً ، أو لأنه يسهل بها الأمر لمعاونتها اليمنى .
العسر : الصعوبة والضيق ، ومنه أعسر اعساراً ، وذو عسرة ، أي : ضيق .
{ شهر رمضان } قرأ الجمهور برفع شهر ، وقرأه بالنصب مجاهد ، وشهر : دين حوشب وهارون الأعور : عن أبي عمرو ، وأبو عمارة : عن حفص عن عاصم .
وإعراب شهر يتبين على المراد بقوله : { أياماً معدودات } فإن كان المراد بها غير أيام رمضان فيكون رفع شهر على أنه مبتدأ ، وخبره قوله : { الذي أنزل فيه القرآن } ويكون ذكر هذه الجملة تقدمة لفرضية صومه بذكر فضيلته والتنبيه على أن هذا الشهر هو الذي أنزل فيه القرآن هو الذي يفرض عليكم صومه ، وجوزوا أن يكون : الذي أنزل ، صفة .
إما للشهر فيكون مرفوعاً ، وإما لرمضان فيكون مجروراً .
وخبر المبتدأ والجملة بعد الصفة من قوله : { فمن شهد منكم الشهر } وتكون الفاء في : فمن ، زائدة على مذهب أبي الحسن ، ولا تكون هي الداخلة في خبر المبتدأ إذا كان منها للشرط ، لأن شهر رمضان لا يشبه الشرط ، قالوا : ويجوز أن لا تكون الفاء زائدة ، بل دخلت هنا كما دخلت في خبر الذي ، ومثله : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } وهذا الذي قالوه ليس بشيء ، لأن الذي ، صفة لعلم ، أو لمضاف لعلم ، فليس يتخيل فيه شيء ما من العموم ، ولمعنى الفعل الذي هو { أنزل فيه القرآن } لفظاً ومعنى ، فليس كقوله : { قل إن الموت الذي تفرون منه } لأن الموت هنا ليس معيناً ، بل فيه عموم .
وصلة الذي مستقبلة ، وهي : تفرون ، وعلى القول ، بأن الجملة من قوله { فمن شهد } هي الخبر ، يكون العائد على المبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه ، أي : فمن شهده منكم فليصمه ، فأقام لفظ المبتدأ مقام الضمير ، وحصل به الربط كما في قوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء***
وذلك لتفخيمه وتعظيمه وإن كان المراد بقوله : { أياماً معدودات } أيام رمضان ، فجوزوا في إعراب شهر وجهين .
أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هو : شهر رمضان ، أي : المكتوب شهر رمضان ، قاله الأخفش ، وقدره الفراء : ذلكم شهر وهو قريب .
الثاني : أن يكون بدلاً من قوله : الصيام أي : كتب عليكم شهر رمضان ، قاله الكسائي ، وفيه بعد لوجهين : أحدهما : كثرة الفصل بين البدل والمبدل منه ، والثاني : أنه لا يكون إذ ذاك إلاَّ مِن بدل الإشتمال ، لا ، وهو عكس بدل الاشتمال ، لأن بدل الاشتمال في الغالب يكون بالمصادر كقوله تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } وقول الأعشى :
وهذا الذي ذكره الكسائي بالعكس ، فلو كان هذا التركيب : كتب عليكم شهر رمضان صيامه ، لكان البدل إذ ذاك صحيحاً .
وعكس : ويمكن توجيه قول الكسائي على أن يكون على حذف مضاف ، فيكون من بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة تقديره : صيام شهر رمضان ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، لكن في ذلك مجاز الحذف والفصل الكثير بالجمل الكثيرة ، وهو بعيد ، ويجوز على بُعدٍ أن يكون بدلاً من أيام معدودات ، على قراءة عبد الله ، فإنه قرأ : أيامٌ معدودات ، بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : المكتوب صومه أيام معدودات .
ذكر هذه القراءة أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب ( البديع ) له في القرآن ؛ وانتصاب شهر رمضان على قراءة من قرأ ذلك على إضمار فعل تقديره : صوموا شهر رمضان ، وجوزوا فيه أن يكون بدلاً من قوله : { أياماً معدودات } قاله الأخفش ، والرماني وفيه بعد لكثرة الفصل ، وأن يكون منصوباً على الإغراء تقديره إلزموا شهر رمضان ، قاله أبو عبيدة والحوفي ، ورد بأنه لم يتقدم للشهر ذكر وإن كان منصوباً بقوله : { وأن تصوموا } حكاه ابن عطية وجوزه الزمخشري قال : وقرئ بالنصب على : صوموا شهر رمضان ، أو على الإبدال من : { أياماً معدودات } ، أو على أنه مفعول ، وأن تصوموا .
كلامه ؛ وهذا لا يجوز ، لأن تصوموا صلة لأن ، وقد فصلت بين معمول الصلة وبينها بالخبر الذي هو خير ، لأن تصوموا في موضع مبتدأ ، أي : وصيامكم خير لكم ، ولو قلت : أن يضرب زيداً شديد ، وأن تضرب شديد زيداً ، لم يجز .
قال ابن عطية : وذلك لا تقتضيه الأصول لاجتماع الساكنين فيه ، يعني بالأصول أصول ما قرره أكثر البصريين ، لأن ما قبل الراء في شهر حرف صحيح ، فلو كان في حرف علة لجاز بإجماع منهم ، نحو : هذا ثوب بكر ، لأن فيه لكونه حرف علة مدّا أمّا ولم تقصر لغة العرب على ما نقله أكثر البصريين ، ولا على ما اختاروه ، بل إذا صح النقل وجب المصير إليه .
{ الذي أنزل فيه القرآن } : تقدّم اعرابه ، وظاهره أنه ظرف لإنزال القرآن ، والقرآن يعم الجميع ظاهراً ، ولم يبين محل الإنزال ، فعن ابن عباس أنه أنزل جميعه إلى سماء الدنيا ليلة أربع وعشرين من رمضان ، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً .
وقيل : الإنزال هنا هو على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون القرآن مما عبر بكله عن بعضه ، والمعنى بدئ بإنزاله فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك في الرابع والعشرين من رمضان .
أو تكون الألف واللام فيه لتعريف الماهية ، كما تقول : أكلت اللحم ، لا تريد استغراق الأفراد ، إنما تريد تعريف الماهية .
وقيل معنى : { أنزل فيه القرآن } أن جبريل كان يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بما أنزل الله عليه ، فيمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء قاله الشعبي ؛ فيكون الإنزال عبر به عن المعارضة .
وقيل : أنزل في فرضية صومه القرآن ، وفي شأنه القرآن ، كما تقول : أنزل في عائشة قرآن .
والقرآن الذي نزل هو قوله : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } قاله مجاهد ، والضحاك .
وقال سفيان بن عيينة : في فضله ، وقيل : المعنى .
{ أنزل فيه القرآن } أي أنزل من اللوح المحفوظ إلى السفرة في سماء الدنيا في ليلة القدر من عشرين شهراً ، ونزل به جبريل في عشرين سنة .
وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
« أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان ، والتوراة لست مضين منه ، والإنجيل لثلاث عشرة ، والقرآن لأربع وعشرين » وفي رواية أبي ذر : « نزلت صحف إبراهيم في ثلاث مضين من رمضان ، وإنجيل عيسى في ثمانية عشر » ، والجمع بين الروايتين بأن رواية واثلة أخبر فيها عن ابتداء نزول الصحف والإنجيل ، ورواية أبي ذر أخبر فيها عن انتهاء النزول .
وقرأ ابن كثير القرآن بنقل حركة الهمزة ، إلى الراء ، وحذف الهمزة ، وذلك في جميع القرآن سواء نكر أم عرف بالألف واللام ، أو بالإضافة ، وهذا المختار من توجيه قراءته ، وقد تقدّم قول من قال : إن النون فيه مع عدم الهمز أصلية من قرنت الشيء في الشيء ضممته .
{ هدى للناس وبينات } انتصاب : هدىً ، على الحال وهو مصدر وضع موضع أسم الفاعل ، أي : هادياً للناس ، فيكون : للناس ، متعلقاً بلفظ .
هدىً ، لما وقع موقع هادٍ ، وذو الحال القرآن ، والعامل : أنزل ، وهي حال لازمة ، لأن كون القرآن هدىً هو لازم له ، وعطف قوله : وبينات ، على : هدىً ، فهو حال أيضاً ، وهي لازمة ، لأن كون القرآن آياتٍ جليات واضحات وصف ثابت له ، وهو من عطف الخاص على العام ، لأن الهدى : منه خفي ومنه جلي ، فنص بالبينات على الجلي من الهدى ، لأن القرآن مشتمل على المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، فذكر عليه أشرف أنواعه ، وهو الذي يتبين الحلال والحرام والموعظة .
{ من الهدى والفرقان } هذا في موضع الصفة لقوله : هدى وبينات ، أي : أن كون القرآن هدى وبينات هو من جملة هدى الله وبيناته ، والهدى والفرقان يشمل الكتب الإلهية ، فهذا القرآن بعضها ، وعبر عن البينات بالفرقان ، ولم يأت من الهدى والبينات فيطابق العجز الصدر لأن فيه مزيد معنى لازم للبينات ، وهو كونه يفرق به بين الحق والباطل ، فمتى كان الشيء جلياً واضحاً حصل به الفرق ، ولأن في لفظ : الفرقان ، مؤاخاة للفاصلة قبله ، وهو قوله : { شهر رمضان } ثم قال : { الذي أنزل فيه القرآن } ، ثم قال : { هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } فحصل بذلك تواخي هذه الفواصل ، فصار الفرقان هنا أمكن من البينات من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ، كما قررناه .
ولا يظهر هنا ما قاله بعض الناس من أن الهدى والفرقان أريد به القران ، لأن الشيء لا يكون بعض نفسه ، وفي ( المنتخب ) أنه يحتمل أن يحمل : هدىً الأول على أصول الدين ، والثاني على فروعه .
وقال ابن عطية : اللام في الهدى للعهد ، والمراد الأول .
يعني : أنه أتى به منكراً أولاً ، ثم أتى به معرفاً ثانياً ، فدل على أنه الأول كقوله تعالى : { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول } فمعلوم أن الرسول الذي عصاه فرعون هو الرسول الذي أرسل إليه ، ومن ذلك قولهم : لقيت رجلاً فضربت الرجل ، فالمضروب هو الملقى ؟ ويعتبر ذلك بجعل ضمير النكرة مكان ذلك هذا الثاني ، فيصح المعنى ، لأنه لو أتى فعصاه فرعون ، أو : لقيت رجلاً فضربته لكان كلاماً صحيحاً ، ولا يتأتي هذا الذي قاله ابن عطية هنا ، لأنه ذكر هو والمعربون : أن هدىً منصوب على الحال وصف في ذي الحال ، وعطف عليه وبينات ، فلا يخلو قوله : من الهدى ، المراد به الهدى الأول من أن يكون صفة لقوله : هدى ، أو لقوله : وبينات ، أو لهما ، أو متعلق بلفظ بينات ، لا جائز أن يكون صفة لهدى ، لأنه من حيث هو وصف لزم أن يكون بعضاً ، ومن حيث هو الأول لزم أن يكون هو إياه ، والشيء الواحد لا يكون بعضاً .
كلاً بالنسبة لماهيته ، ولا جائز أن يكون صفة لبينات فقط ، لأن وبينات معطوف على هدى ، وهدى حال ، والمعطوف على الحال حال ، والحال وصف في ذي الحال ، فمن حيث كونهما حالين تخصص بهما ذو الحال إذ هما وصفان ، ومن حيث وصفت بينات بقوله : من الهدى ، خصصها به ، فوقف تخصيص القرآن على قوله هدى وبينات معاً ، ومن حيث جعلت من الهدى صفة لبينات توقف تخصيص بينات على هدى ، فلزم من ذلك تخصيص الشيء بنفسه ، وهو محال ، ولا جائز أن يتعلق بلفظ : وبينات ، لأن المتعلق تقييد للمتعلق به ، فهو كالوصف ، فيمتنع من حيث يمتنع الوصف .
وأيضاً فلو جعلت هنا مكان الهدى ضميراً ، فقلت : وبينات منه أي : من ذلك الهدى ، لم يصح ، فلذلك اخترنا أن يكون الهدى والفرقان عامين حتى يكون هدى وبينات بعضاً منهما .
{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه } الألف واللام في الشهر للعهد ، ويعني به شهر رمضان ، ولذلك ينوب عنه الضمير ، ولو جاء : فمن شهد منكم فليصمه لكان صحيحاً ، وإنما أبرزه ظاهراً للتنويه به والتعظيم له ، وحسن له أيضاً كونه من جملة ثانية .
فانتصاب الشهر على الظرف ، والمعنى : أن المقيم في شهر رمضان إذا كان بصفة التكليف يجب عليه الصوم ، إذ الأمر يقتضي الوجوب ، وهو قوله : فليصمه ، وقالوا على انتصاب الشهر : أنه مفعول به ، وهو على حذف مضاف ، أي : فمن شهد ، حذف مفعوله تقديره المصر أو البلد .
وقيل : انتصاب الشهر على أنه مفعول به ، وهو على حذف مضاف ، أي : فمن شهد منكم دخول الشهر عليه وهو مقيم لزمه الصوم ، وقالوا : يتم الصوم من دخل عليه رمضان وهو مقيم ، أقام أم سافر ، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر ، وإلى هذا ذهب علي ، وابن عباس ، وعبيدة المسلماني ، والنخعي ، والسدي .
والجمهور على أن من شهد أول الشهر أو آخره فليصم ما دام مقيماً .
وقال الزمخشري : الشهر منصوب على الظرف ، وكذلك الهاء في : فليصمه ، ولا يكون مفعولاً به ، كقولك : شهدت الجمعة ، لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر .
وقد تقدم أن ذلك يكون على حذف مضاف تقديره : فمن شهد منكم دخول الشهر ، أي : من حضر .
وقيل : التقدير هلال الشهر ، وهذا ضعيف ، لأنك لا تقول : شهدت الهلال ، إنما تقول : شاهدت ، ولأنه كان يلزم الصوم كل من شهد الهلال وليس كذلك .
ومنكم ، في موضع الحال ، ومن الضمير المستكن في شهد ، فيتعلق بمحذوف تقديره كائناً منكم .
وقال أبو البقاء ، منكم حال من الفاعل وهي متعلقة بشهد ، فتناقض ، لأن جعلها حالاً يوجب أن يكون العامل محذوفاً ، وجعلها متعلقة بشهد يوجب أن لا يكون حالاً ، فتناقض .
ومَنْ ، من قوله فمن شهد ، الظاهر أنها شرطية ، ويجوز أن تكون موصولة ، وقد مر نظائره .
وقرأ الجمهور بسكون اللام في : فليصمه ، أجروا ذلك مجرى : فعل ، فخففوا ، وأصلها الكسر ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والزهري ، وأبو حيوة ، وعيسى الثقفي ، وكذلك قرؤوا لام الأمر في جميع القرآن نحو : { فليكتب وليملل } بالكسر ، وكسر لام الأمر ، وهو مشهور لغة العرب ، وعلة ذلك ذكرت في النحو .
ونقل صاحب ( التسهيل ) أن فتح لام الأمر لغة ، وعن ابنه ان تلك لغة بني سليم .
وظاهر كلامهما الإطلاق في أن فتح اللام لغة ، ونقل صاحب كتاب ( الإعراب ) ، وهو : أبو الحكم بن عذرة الخضراوي ، عن الفراء أن من العرب من يفتح هذه اللام لفتحة الياء بعدها ، قال : فلا يكون على هذا الفتح أن الكسر ما بعدها أو ضم .
وذلك نحو : لينبذن ، ولتكرم زيداً ، وليكرم عمراً وخالداً ، وقوموا فلأصل لكم .
{ ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر } تقدّم تفسير هذه الجملة ، وذكر فائدة تكرارها على تقدير : أن شهر رمضان هو قوله : { أياماً معدودات } ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } تقدّم الكلام في الإرادة في قوله { ماذا أراد الله بهذا مثلاً } والإرادة هنا إما أن تبقى على بابها ، فتحتاج إلى حذف ، ولذلك قدره صاحب ( المنتخب ) : يريد الله أن يأمركم بما فيه يسر ، وأما أن يتجوز بها عن الطلب ، أي : يطلب الله منكم اليسر ، والطلب عندنا غير الإرادة ، وإنما احتيج إلى هذين التأوّيلين لأن ما أراده الله كائن لا محالة ، على مذهب أهل السنة ، وعلى ظاهر الكلام لم يكن ليقع عسر وهو واقع ، وأما على مذهب المعتزلة فتكون الآية على ظاهرها ، وأراد : يتعدّى إلى الإجرام بالباء ، وإلى المصادر بنفسه ، كالآية .
ويأتي أيضاً متعدّياً إلى الإجرام بنفسه وإلى المصادر بالباء .
عراراً ، لعمري بالهوان فقد ظلم
قالوا : يريد هنا بمعنى أراد ، فهو مضارع أريد به الماضي ، والأوْلى أن يراد به الحالة الدائمة هنا ، لأن المضارع هو الموضوع لما هو كائن لم ينقطع ، والإرادة صفة ذات لا صفة فعل ، فهي ثابتة له تعالى دائماً ، وظاهر اليسر والعسر العموم في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية .
« دين الله يُسر يَسِّر ولا تعسر » وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وفي القرآن : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } { ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم } فيندرج في العموم في اليسر فطر المريض والمسافر اللذين ذكر حكمهما قبل هذه الآية ، ويندرج في العموم في العسر صومهما لما في حالتي المرض والسفر من المشقة والتعسير .
وروي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : أن اليسر الفطر في السفر ، والعسر الصوم فيه ، ويحمل تفسيرهم على التمثيل بفرد من أفراد العموم ، وناسب أن مثلوا بذلك ، لأن الآية جاءت في سياق ما قبلها ، فدخل فيها ما قبلها دخولاً لا يمكن أن يخرج منها ، وفي ( المنتخب ) { يريد الله بكم اليسر } كاف عن قوله : { ولا يريد بكم العسر } وإنما كرر توكيداً . انتهى .
وقرأ أبو جعفر ، ويحيى بن وثاب ، وابن هرمذ ، وعيسى بن عمر : اليسر والعسر ، بضم السين فيهما ، والباقون بالإسكان .
{ ولتكملوا العدة } : قرأ أبو بكر ، وأبو عمر بخلاف عنهما ، وروي : مشدد الميم مفتوح الكاف ، والباقون بالتخفيف وإسكان الكاف ، وفي اللام أقوال .
الأول : قال ابن عطية : هي اللام الداخلة على المفعول ، كالتي في قولك : ضربت لزيد ، المعنى ، ويريد إكمال العدة ، وهي مع الفعل مقدرة بأن ، كأن الكلام : ويريد لأن تكلموا العدة ، هذا قول البصريين ، ونحوه ، قول أبي صخر .
قال : كأنه قيل : يريد الله بكم اليسر ، ويريد لتكملوا ، لقوله : { يريدون ليطفئوا } وفي كلامه أنه معطوف على اليسر ، وملخص هذا القول : أن اللام جاءت في المفعول المؤخر عن الفعل ، وهو مما نصوا على أنه قليل ، أو ضرورة ، لكن يحسن ذلك هنا ، بعده عن الفعل بالفصل ، فكأنه لما أخذ الفعل مفعوله ، وهو : اليسر ، وفصل بينهما بجملة وهي : ولا يريد بكم العسر ، بعد الفعل عن اقتضائه ، فقوي باللام ، كحاله إذا تقدم فقلت لزيد ضربت ، لأنه بالتقدم وتأخرُ العامل ضعف العامل عن الوصول إليه ، فقوي باللام ، اذ أصل العامل أن يتقدم ، وأصل المعمول أن يتأخر عنه ، لكن في هذا القول إضمار إن بعد اللام الزائدة ، وفيه بعُد .
وفي كلام ابن عطية تتبع ، وهو في قوله : وهي ، يعني باللام مع الفعل ، يعني تكملوا مقدرة بأن ، وليس كذلك ، بل أن مضمرة بعدها واللام حرف جر ، ويبين ذلك أنه قال : كأن الكلام : ويريد لأن تكملوا العدة ، فأظهر أن بعد اللام ، فتصحيح لفظه أن تقول : وهي مع الفعل مقدران بعدها ، وقوله : هذا قول البصريين ونحوه ، قول أبي صخر :
ليس كما ذكر ، بل ذلك مذهب الكسائي والفراء ، زعما أن العرب تجعل لام كي في موضع أن في أردت وأمرت .
قال تعالى : { يريد الله ليبين لكم } { يريدون ليطفئوا } { وأن يطفئوا } { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } وقال الشاعر :
وقال تعالى : { وأمرنا لنسلم } { وان أسلم } وذهب سيبويه وأصحابه إلى أن اللام هنا باقية على حالها وأن مضمرة بعدها ، لكن الفعل قبلها يقدره بمصدر ، كأنه قال : الإرادة للتبيين ، وإرادتي لهذا ، وذهب بعض الناس إلى زيادة اللام ، وقد أمعنا الكلام على هذه المسألة في كتاب ( التكميل في شرح التسهيل ) فتطالع هناك .
وتلخص مما ذكرناه أن ما قال : من أنه قول البصريين ليس كما قال : إنما يتمشى قوله : وهي ، مع الفعل مقدرة بأن على قول الكسائي والفراء ، لا على قول البصريين .
وتناقض قول ابن عطية أيضاً لأنه قال : هي اللام الداخلة على المفعول كالتي في قولك : ضربت لزيد ، المعنى ، ويريد إكمال العدة .
ثم قال : وهي مع الفعل مقدرة بأن ، فمن حيث جعلها الداخلة على المفعول لا يكون جزءاً من المفعول ، ومن حيث قدرها بأن كانت جزءاً من المفعول ، لأن المفعول إنما ينسبك منها مع الفعل ، فهي جزء له ، والشيء الواحد لا يكون جزءاً لشيء غير جزءٍ له ، فتناقض .
وأما تجويز الزمخشري أن يكون معطوفاً على : اليسر ، فلا يمكن إلاَّ بزيادة اللام وإضمار : أن ، بعدها ، أو يجعل اللام لمعنى : أن ، فلا تكون أن مضمرة بعدها ، وكلاهما ضعيف .
القول الثاني : أن تكون اللام في { ولتكملوا العدة } لام الأمر قال ابن عطية ، ويحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام .
ولم يذكر هذا الوجه فيما وقفنا عليه غير ابن عطية ، ويضعف هذا القول أن النحويين قالوا : أمر الفاعل المخاطب فيه التفات ، قالوا : أحدهما لغة رديئة قليلة ، وهو إقرار تاء الخطاب ولام الأمر قبلها ، واللغة الأخرى هي الجيدة الفصيحة ، وهو ، أن يكون الفعل عارياً من حرف المضارعة ومن اللام ، ويضعف هذا القول أيضاً أنه لم يؤثر على أحد من القراء أنه قرأ بإسكان هذه اللام ، فلو كانت لام الأمر لكتاب كسائر أخواتها من القراءة بالوجهين فيها ، فدل ذلك على أنها لام الجر لا لام الأمر ، وقول ابن عطية : والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، يعني : أنها إذا كانت اللام للأمر كان العطف من قبيل الجمل ، وإذا كانت كاللام في : ضربت لزيد ، كانت من قبل عطف المفردات .
القول الثالث : أن تكون اللام للتعليل ، واختلف قائلو هذا القول على أقوال .
أحدها : أن تكون الواو عاطفة على علة محذوفة ، التقدير : لتعملوا ما تعملون ولتكملوا العدة ، قاله الزمخشري .
ويكون هذا الفعل المعلل على هذا القول : إرادة اليسر .
الثاني : أن يكون بعد الواو فعل محذوف هو المعلل ، التقدير : وفعل هذا لتكملوا العدة ، قاله الفراء .
الثالث : أن يكون معطوفاً على علة محذوفة وقد حذف معلولها ، التقدير : فعل الله ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا ، قاله الزجاج .
الرابع : أن يكون الفعل المعلل مقدراً بعد التعليل ، تقديره : ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة ، قال ابن عطية : وهذا قول بعض الكوفيين .
الخامس : أن الواو زائدة ، التقدير : يريد الله بكم اليسر لتكملوا العدة ، وهذا قول ضعيف .
السادس : أن يكون الفعل المعلل مقدراً بعد قوله ؛ { ولعلكم تشكرون } وتقديره : شرع ذلك .
قاله الزمخشري ، قال ما نصه : شرع ذلك ، يعني جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر ، وأمر المرخص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ، ومن الترخيص في إباحة الفطر فقوله : لتكملوا ، علة الأمر بمراعاة العدة ، ولتكبروا علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ، ولعلكم تشكرون ، علة الترخيص والتيسير .
وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا يكاد يهتدي إلى تبيينه إلاَّ النقاد المحذق من علماء البيان .
والألف واللام في قوله : { ولتكملوا العدة } الظاهر أنها للعهد ، فيكون ذلك راجعاً إلى قوله : { فعدة من أيام أخر } أي : وليكمل من أفطر في مرضه أو سفره عدة الأيام التي أفطر فيها بأن يصوم مثلها ، وقيل : عدة الهلال سواء كانت تسعة وعشرين يوماً أم كان ثلاثين ، فتكون العدة راجعة إذ ذاك إلى شهر رمضان المأمور بصومه .
{ ولتكبروا الله علة ما هداكم } معطوف على : ولتكملوا العدة ، والكلام في اللام كالكلام في لام : ولتكملوا ومعنى التكبير هنا تعظيم الله والثناء عليه ، فلا يختص ذلك بلفظ التكبير ، بل يعظم الله ويثني عليه بما شاء من ألفاظ الثناء والتعظيم ، وقيل : هو التكبير عند رؤية الهلال في آخر رمضان .
وروي عن ابن عباس أنه قال : حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوّال أن يكبروا ، وقيل : هو التكبير المسنون في العيد ، وقال سفيان : هو التكبير يوم الفطر .
واختلف في مدته وفي كيفيته ، فعن ابن عباس : يكبر من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره ، وقيل : وهو قول الشافعي : من رؤية الهلال إلى خروج الإمام إلى الصلاة .
وقال زيد بن أسلم ، ومالك : من حين يخرج من منزله إلى أن يخرج الإمام .
وروي ابن القاسم ، وعلي بن زياد : إن خرج قبل طلوع الشمس فلا يكبر في طريقه ولا في جلوسه حتى تطلع الشمس ، وإن غدا بعد الطلوع فليكبر في طريقه إلى المصلى وإذا جلس حتى يخرج الإمام .
واختلف عن أحمد ، فنقل الأثر عنه أنه إذا جاء إلى المصلى يقطع ؛ قال أبو يعلى : يعني : وخرج الإمام ، ونقل حنبل عنه أنه يقطع بعد فراغ الإمام من الخطبة .
واختلفوا في الأضحى ، فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو يوسف ، ومحمد : الفطر والأضحى سواء في ذلك ، وبه قال ابن المسيب ، وأبو سلمة ، وعروة ، وقال أبو حنيفة : يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر .
وكيفيته عند الجمهور : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ثلاثاً ، وهو مروي عن جابر ، وقيل : يكبر ويهلل ويسبح أثناء التكبير ، ومنهم من يقول : الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً .
وكان ابن المبارك يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا .
وقال ابن المنذر : كان مالك لا يجد فيه حدّاً ، وقال ابن العربي : اختار علماؤنا التكبير المطلق وهو ظاهر الكتاب ، وقال أحمد : كل واسع ، وحجج هذه الأقاويل في كتب الفقه .
ورجح في ( المنتخب ) أن إكمال العدة هو في صوم رمضان ، وأن تكبير الله هو عند الانقضاء على ما هدى إلى هذه الطاعة ، وليس بمعنى التعظيم .
قال : لأن تكبير الله بمعنى تعظيمه هو واجب في جميع الأوقات وفي كل الطاعات ، فلا معنى للتخصيص انتهى .
و : على ، تتعلق : بتكبروا ، وفيها إشعار بالعلية ، كما تقول : أشكرك على ما أسديت إليّ .
قال الزمخشري : وإنما عدى فعل التكبر بحرف الاستعلاء لكونه مضمناً معنى الحمد ، كأنه قيل : ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم .
وقوله : كأنه قيل : ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم ، هو تفسير معنى لا تفسير إعراب ، إذ لو كان تفسير إعراب لم تكن : على ، متعلقاً ، بتكبروا المضمنة معنى الحمد ، إنما كانت تكون متعلقة بحامدين التي قدّرها ، والتقدير الإعرابي هو ، أن تقول : كأنه قيل : ولتحمدوا الله بالتكبير على ما هداكم ، كما قدّر الناس في قولهم : قتل الله زياداً عني أي : صرف الله زياداً عني بالقتل ، وفي .
أي : تحكمون بالبصيرة في طعن الأباهر ، والظاهر في : ما ، أنها مصدرية أي : على هدايتكم ، وجوّزوا أن تكون : ما ، بمعنى الذي ، وفيه بعد ، لأنه يحتاج إلى حذفين أحدهما : حذف العائد على : ما ، أي : على الذي هداكموه وقدّرناه منصوباً لا مجروراً بإلى ، ولا باللام ليكون حذفه أسهل من حذفه مجروراً .
والثاني : حذف مضاف به يصح الكلام ، التقدير : على اتباع الذي هداكموه ، وما أشبه هذا التقدير مما يصح به معنى الكلام .
والظاهر أن معنى : هداكم ، حصول الهداية لكم من غير تقييد ، وقيل : المعنى ، هدايتكم لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم ، وإذا كانت بمعنى : الذي ، فالمعنى على ما أرشدكم إليه من شريعة الإسلام .
{ ولعلكم تشكرون } هو ترج في حق البشر على نعمة الله في الهداية ، قاله ابن عطية : فيكون الشكر على الهداية ، وقيل : المعنى تشكرون على ما أنعم به من ثواب طاعاتكم .
وقال الزمخشري : ومعنى { ولعلكم تشكرون } وإرادة أن تشكروا ، فتأول الترجي من الله على معنى الإرادة ، وجعل ابن عطية الترجي من المخلوق ، إذ الترجي حقيقة يستحيل على الله ، فلذلك أوَّله الزمخشري بالإرداة ، وجعله ابن عطية من البشر ، والقولان متكافئان ، وإذا كان التكليف شاقاً ناسب أن يعقب بترجي التقوى ، وإذا كان تيسيراً ورخصة ناسب أن يعقب بترجي الشكر ، فلذلك ختمت هذه الآية بقوله : { لعلكم تشكرون } لأن قبله ترخيص للمريض والمسافر بالفطر ، وقوله : { يريد الله بكم اليسر } وجاء عقيب قوله : { كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون } وقبله { ولكم في القصاص حياة } ثم قال : { لعلكم تتقون } لأن الصيام والقصاص من أشق التكاليف ، وكذا يجيء أسلوب القرآن فيما هو شاق وفيما فيه ترخيص أو ترقية ، فينبغي أن يلحظ ذلك حيث جاء فإنه من محاسن علم البيان .