معاني القرآن للفراء - الفراء  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

وقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ . . . }

رَفْع مستأنَف أي : ولكم " شهر رمضان " { الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وقرأ الحسن نصبا على التكرير " وان تصوموا " شهر رمضان " خير لكم " والرفع أجود . وقد تكون نصبا من قوله " كتِب عليكم الصيام " شهرَ رمضان " توقع الصِيام عليه : أن تصوموا شهر رمضان .

وقوله { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } دليل على نَسْخ الإطعام . يقول : من كان سالما ليس بمريض أو مقيما ليس بمسافر فليصم { وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ } قضَى ذلك . { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } في الإفطار في السفر { وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } الصومَ فيه .

وقوله : { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ . . . }

في قضاء ما أفطرتم . وهذه اللام في قوله " وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " لام كَيْ لو ألْقِيت كان صوابا . والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعلٍ بعدها . ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواو . ألا ترى أنك تقول : جئتك لتحسن إلىّ ، ولا تقول جئتك ولتحسن إلىّ . فإذا قلته فأنت تريد : ولتحسن إلىّ جئتك . وهو في القرآن كثير . منه قوله { ولِتصغي إليهِ أفئدة الذِين لا يؤمنون بالآخرة } ومنه قوله { وكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ الْموُقِنِينَ } لو لم تكن فيه الواو كان شرطا ، على قولك : أريناه مَلَكُوت السماوات ليكون . فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها { ولِيكون مِن الموقنين } أريناه . ومنه ( في غير ) اللام قوله { إِنا زَيَّنا السَّماء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } ثم قال " وحِفْظاً " لو لم تكنِ الواو كان الحفظ منصوبا ب " زينا " . فإذا كانت فيه الواو وليس قبله شيء يُنْسَق عليه فهو دليل على أنه منصوب بفعلٍ مضمرٍ بعد الحفظ ؛ كقولك في الكلام : قد أتاك أخوك ومكرِما لك ، فإنما ينصب المكرم على أن تضمر أتاك بعده .