{ شَهْرُ رَمَضَانَ } قرأه العامّة رفع على معنى أتاكم شهر رمضان .
وقال الفرّاء : ذلكم شهر رمضان .
الكسائي : كتب عليكم شهر رمضان ، وقيل : ابتداء وما بعده خبره .
وقرأ الحسن ومجاهد وشهر بن حوشب : شهر رمضان نصباً على هو ، يعني : صوموا شهر رمضان ، قاله المورّج .
وقال الأخفش : نصب على الظرف ، أي : كتب عليكم الصّيام في شهر رمضان .
أبو عبيدة : نصب على الا غراء ، وقرأ أبو عمرو : مدغماً شهر رمضان على مذهب في ادغام كل حرفين يلتقيان من جَنس واحد ومخرج واحد ، او قريبي المخرج طلباً للخفّة . وسمّي الشهر شهراً لشهرته .
وقال الفرّاء : هو مأخوذ من الشّهرة وهي البياض ، ومنه يقال : شهرت السّيف إذا اسلته ، وشهر الهلال إذا طلع ، واختلفوا في معنى قوله : رمضان فقال بعضهم : رمضان اسم من أسماء الله . فيقال شهر رمضان كما يقال : شهر الله ، وروى جعفر الصادق عن آبائه ( رضي الله عنهم ) عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : " شهر رمضان شهر الله " .
ويدلّ عليه أيضاً ما روى هشيم عن آبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقولوا رمضان ، انسبوه كما نسبه الله تعالى في القرآن فقال : شهر رمضان " .
وعن الأصمعي قال : قال أبو عمرو : إنّما سمّي رمضان لأنّه رمضت فيه الفعال من الخير .
وقال غيره : لأنّ الحجارة كانت ترمض فيه من الحرارة والرّمضاء الحجارة المحماة .
وقيل : سمّي بذلك لأنّه يرمض الذّنوب أي يحرق .
وقيل : لأنّ القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والحكمة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرّمل والحجارة من حرّ الشّمس .
وقال الخليل : مأخوذة من الرمض وهو مطر يأتي في الخريف فسمّي هذا الشّهر رمضان لأنّه يغسل الأبدان من الأنام غسلاً وتطهّر قلوبهم تطهيراً . { الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } روى هشيم عن داود عن عكرمة عن ابن عبّاس والسّدي عن محمّد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عبّاس ابن عطيّة الأسود سأله : فقال : إنّه وقع الشّك في قوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وقوله { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] وقوله : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [ الدخان : 3 ] وقد نزل في سائر الشهور .
قال الله { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ } [ الإسراء : 106 ] الآية { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [ الفرقان : 32 ] .
فقال : أُنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان . فوضع في بيت العزة في سماء الدٌّنيا ، ثمَّ نزل به جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه وسلم نجوماً نجوماً عشرين سنة ، فذلك قوله { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] .
داود بن أبي هند قال : قلت للشعبي : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } أما كان ينزل عليه في سائر السّنة ؟ قال : بلى ولكن جبرئيل كان يعارض محمّداً صلى الله عليه وسلم في رمضان ما نزّل الله ، فيحكم مايشاء ويُثبت مايشاء ويُنسيه مايشاء .
شهاب بن طارق عن أبي ذرّ الغفاري عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : أنُزلت صُحف إبراهيم في ثلاثة ليال مضين من رمضان ، وأنزلت توراة موسى في ست ليال مضين من رمضان ، وأُنزل أنجيل عيسى في ثلاثة عشر مضت من رمضان ، وأُنزل زبور داود في ثمان عشرة ليلة قضت من رمضان ، وأُنزل الفرقان على محمّد في الرّابع والعشرين لست مضين بعدها ، ثمَّ وصف القرآن فقال : { هُدًى لِّلنَّاسِ } من الضّلالة ، وهو في محل النصب على القطع ، لأنّ القرآن معرفة والهدى نكرة . { وَبَيِّنَاتٍ } من الحلال والحرام والحدود والاحكام . { مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } الفصل بين الحقّ والباطل .
سعيد بن المسيّب عن سلمان قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : يا أيّها النّاس قد أظلكّم شهرُ عظيم ، وشهر مبارك ، وشهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوّعاً ، من تقرّب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصّبر والصّبر ثوابه الجنّة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ، شهرٌ أولّه رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النّار ، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النّار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء . قالوا : يارسول الله ليس كلّنا يجد ما يفطّر الصّائم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الله هذا الثّواب ، من فطّر صائماً على مذقة لبن أو تمر أو شربة ماء ، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله تعالى من حوضي شربة لا يظمأ حتّى يدخل الجنّة ، وكان كمن اعتق رقبة ، ومن خففّ عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النّار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتان ترضون بها ربّكم ، وخصلتان لا غنى عنهما : فأمّا الخصلتان اللتان ترضون بها ربّكم فشهادة أن لا إله إلاّ الله وتستغفرونه ، وأمّا التي لاغنى بكم عنها فتسألون الله عزّ وجلّ وتعوذون به من النّار " .
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ أبواب السّماء وأبواب الجنّة لتفتح لأوّل ليلة من شهر رمضان ، فلا تغلق إلى آخر ليلة منها ، وليس لعبد يصلّي في ليلة منها إلاّ كتب الله عزّ وجلّ بكل سجدة الفا وسبعمائة حسنة ، وبنى له بيتاً في الجنّة من ياقوتة حمراء لها سبعون ألف باب لكلّ باب منها مصراعان من ذهب موشّح من ياقوتة حمراء ، فإذا صام أوّل يوم من شهر رمضان غفر الله له كلّ ذنب إلى آخر يوم من رمضان وكان كفّارة إلى مثلها ، وكان له بكلّ يوم يصومه قصر في الجنّة له ألف باب من ذهب ، واستغفر له سبعون الف ملك من غدوة إلى أن توارت بالحجاب ، وكان له بكلّ سجدة يسجدها من ليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها " .
محمّد بن يونس الحارثي عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان نادى الجليل جلّت عظمته رضوان خازن الجنان فيقول : لبيّك وسعديك فيقول : جدّد جنّتي وزينها من أمّة أحمد ثمّ لاتغلقها عليهم حتّى ينقضي شهرهم ، ثمّ ينادي مالكاً خازن النّار : أن يامالك ، فيقول : لبيّك ربي وسعديك فيقول : إغلق أبواب الجحيم عن الصّائمين من امّة أحمد ثمّ لاتفتحها عليهم حتّى ينقضي شهرهم ثمّ ينادي جبرئيل فيقول : لبيّك ربي وسعديك فيقول : انزل إلى الأرض وغلّ مردة الشياطين لايفسدوا عليهم صيامهم وأفطارهم ، ولله في كل يوم من شهر رمضان عند طلوع الشّمس وعند وقت الأفطار عتقاء يعتقهم من النّار عبيداً وأماءاً ، وله في كل سماء مناد فيهم ، ملك عرفهُ تحت عرش ربّ العالمين وفرائضه في تخوم الأرض السّابعة السفلى ، جناح له بالمشرق مكلل بالمرجان والدّرر والجوهر ، وجناح له بالمغرب مكلل بالمرجان والدرّر والجوهر ينادي : هل تائب يُتاب عليه ؟ هل من داع يستجاب له ؟ هل من مظلوم ينصره الله ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ هل من سائل يُعطى سؤله ؟ قال : وينادي الرّب تعالى ذكره الشهر كلّه : عبادي وإمائي أبشروا واصبروا [ وداوموا ] أوشَك أن يرفع عنكم في المؤونات ، ويفضوا إلى رحمتي وكرامتي . فإذا كان ليلة القدر ، نزل جبرئيل في كبكبة من الملائكة يصلون [ ويسلمون ] على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عزّ وجلّ " .
إبراهيم بن هدية عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أذن الله للسّموات والأرض أن يتكلّما بشّرا بمن صام رمضان : الجنّة " .
عبد الملك بن عمر عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نوم الصّائم عبادة وصمته تسبيح ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف " . { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } قرأه العامة بجزم اللام ، وقرأ الحسن والأعرج : بكسر اللام وهي لام الأمر ، وحقها الكسر إذا أُفردت ، وإذا وصلت بشيء ففيه وجهان : الجزم والكسر ، وإنّما توصل بثلاثة أحرف الفاء كقوله { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } [ قريش : 3 ] والواو كقوله { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ } [ الحج : 29 ] وثمّ كقوله { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } [ الحج : 29 ] .
واختلف العلماء في معنى هذه الآية وحكمها :
فقال بعضهم : معناها فمن شهده عاقلاً بالغاً مقيماً صحيحاً مكلّفاً فليصمه قاله أبو حنيفة وأصحابه ، وقال قوم : معناها : إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فليصم الشهر كلّه . حتّى لو غاب بعد فسافر أو أقام فلم يبرح قاله النخعي والسّدي .
وقال قتادة : إنّ عليّاً ( رضي الله عنه ) كان يقول : إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثمّ سافر فعليه الصّوم .
وقال محمّد بن سيرين : سألت عبيدة السّلمان عن الرّجل يدركه رمضان ثمّ يسافر فقال : إذا شهدت أوّله فصم آخره إلاّ تراه يقول : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } قالوا : والمستحب له ألاّ يسافر إذا أدركه رمضان مقيماً إن أدركه حتّى يقضي الشهر ، وروي في ذلك عن ابراهيم بن طلحة إنه جاء إلى عائشة رضي الله عنها يسلم عليها قالت : وأين تريد ؟
قال : أردت العمرة ، قالت : جلست حتّى إذا دخل عليك شهر رمضان خرجت فيه ؟
قال : قد خرج ثقلي ، قالت : اجلس حتّى إذا أفطرت فاخرج ، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له . وقال الآخرون معنى الآية { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ماشهد منه وكان حاضراً وإن سافر فله الافطار إن يشأ ، قاله ابن عبّاس وعامّة أهل التأويل ، وهو أصحّ الأقاويل يدلّ عليه ماروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عبّاس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح صائماً في رمضان حتّى إذا بلغ القنطرة دعا بماء فشرب .
وعن الشعبي : إنّه سافر في رمضان فأفطر عند باب الجسر .
ثمّ ذكر فقال : { وَمَن كَانَ مَرِيضاً } اختلف العلماء في الزمن الّذي أباح الله تعالى معه الافطار ، فقال قوم : هو كل مرض يسمّى مريضاً .
وقال [ طريف بن تمام ] العطاردي : دخلت على محمّد بن سيرين يوماً في شهر رمضان وهو يأكل فلمّا فرغ قال : توجّعت أصبعي هذه .
وقال آخرون : فكل مرض كان الإغلب من أمر صاحبه بالصّوم الزّيادة في علّته زيادة غير محتملة ، وهو اختيار الشّافعي .
وقال الحسن وإبراهيم : إذا لم يستطع المريض أن يصلّي قائماً أفطر ، والأصل إنّه إذا لم يمكنه الصّيام وأجهده أفطر ، فإذا لم يجهده الصّوم فهو بمعنى الصحيح الّذي يطيق الصوم . { أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } اختلف العلماء في صيام المسافر ، فقال قوم : الافطار في السّفر عزيمة واجبة وليس برخصة ، فمن صام في السفر فعليه القضاء إذا أقام ، وهو قول عمرو وأبي هريرة وابن عبّاس وعلي بن الحسين وعروة بن الزبير والضحّاك ، واعتّلوا بما روت أمّ الدّرداء عن كعب بن عاصم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من البّر الصيام في السفر " .
الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : الصّائم في السّفر كالمفطر في الحضر .
وقال آخرون : الافطار في السّفر رخصة من الله عزّ وجلّ ، والفرض الصّوم ، فمن صام ففرضه أُدي ، ومن أفطر فبرخصة الله أخذ ، ولاقضاء على من صام إذا أقام ، وهذا هو الصّحيح وعليه عامّة الفقهاء . ويدلّ عليه : ماروى عاصم بن الأحول عن أبي نضرة عن جابر قال : كنّا مع النبّي صلى الله عليه وسلم في سفر فمنّا الصّائم ومنّا المفطر فلم يكن بعضنا يعيب على بعض .
وروى يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة : إنّ حمزة بن عمرو قال : " يارسول الله إنّي كنت أتعوّد الصيام أفأصوم في السّفر قال : إن شئت فصم وإن شئت فافطر " .
وعن عروة بن أبي قراح عن حمزة بن عمرو إنّه قال : " يارسول الله أجد بي قوّة على الصّيام في السّفر فهل عليّ جناح قال : هي رخصة من الله عزّ وجلّ فمن آخذها فحسن ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه " .
وامّا قوله صلى الله عليه وسلم " ليس من البرّ الصّيام في السّفر " فإنّ تمام الخبر يدلّ على تأويله ، وهو ماروى محمّد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله : " إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال : " مابال صاحبكم هذا ؟ " قالوا : يارسول الله صام ، قال : «إنّه ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر ، وعليكم برخصة الله تعالى التي رخص لكم فاقبلوها " ، وكذلك تأويل قوله عليه السلام : " الصائم من السّفر كالمفطر في الحضر " .
يدلّ عليه حديث مجاهد عن ابن عمر : إنّه مرّ برجل ينضح الماء على وجهه وهو صائم ، فقال : أفطر ويحك فإنّي أراك لو متّ على هذا دخلت النّار .
والجامع لهذه الأخبار والمؤيد لما قلنا ماروى أيوب عن عروة وسالم إنّهما كانا عند عمر بن عبد العزيز ، إذ هو أمير على المدينة .
فتذاكروا الصّوم في السّفر . فقال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، وقال عروة : كانت عائشة تصوم في السّفر . فقال : سالم : إنما أحدّث عن ابن عمر ، وقال عروة : إنّما أحدّث عن عائشة ، فارتفعت اصواتهما ، فقال عمر بن عبد العزيز : اللّهمّ اغفر إذا كان يسراً فصوموا وإذا كان عُسرا فافطروا .
ثمَّ اختلفوا في المستحب منهم ، فقال قوم : الصّوم أفضل ، وهو قول معاذ بن جبل وأنس وإبراهيم ومجاهد .
ويروى أنّ أنس بن مالك أمر غلاماً له بالصّوم في السّفر ، فقيل له في هذه الآية ، فقال : نزلت ونحن يومئذ نرحل جياعاً وننزل على غير شبع ، فمن أفطر فبرخصة ، ومن صام فالصّوم أفضل .
وقال آخرون : المستحب الأفطار لما روى جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكّة عام الفتح في رمضان فصام حتى إذا بلغ كراع الغميم فصام النّاس ، فبلغه أنّ الناس قد شقّ عليهم الصّيام ، فدعا بقدح ماء وشرب بعد العصر والنّاس ينظرون ، فأفطر بعض النّاس وصام بعضهم فبلغه أنّ النّاس صاموا فقال : «أولئك العصاة " .
عاصم الأحول عن ( بريد ) العجلي عن أنس بن مالك قال : " كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنّا الصائم ومنا المفطر ، فنزلنا في يوم حار واتخذنا ظلالاً ، فسقط الصوّام وقام المفطرون فسقوا الرّكاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر " .
وروى شعبة عن معلّى عن يوسف بن الحكم قال : سألت ابن عمر عن الصّوم في السّفر فقال : أرأيت لو تصدّقت على رجل بصدقة فردّها عليك ألم يغضبك ؟
قال : نعم ، قال : فإنّها صدقة من الله عزّ وجلّ تصدّق بها عليكم ، وحدّ الاسفار التي يجوز فيها الافطار ستّة عشر فرسخاً فصاعداً . { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } حين أرخص في الأسفار للمريض والمسافر . { وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع : العسر واليسر مثقّلين في جميع القرآن .
وقرأ الباقون : بتخفيفهما وهما لغتان جيدّتان ولا حجّة للقدرية في هذه الآية لأنّها مبنية على أوّل الكلام في إيجاب الصّيام فهي خاص في الاحكام لأهل الإسلام . { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ } قرأ أبو بكر ورويش : بتشديد الميم .
وقرأ الباقون بالتخفيف وهو الاختيار لقوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] والواو في قوله { وَلِتُكْمِلُواْ } واو النسق واللاّم لام كي تقديره : ويريد لتكملوا العدّة .
وقال الزجّاج : معناه فعل الله ذلك ليسهّل عليكم ولتكمّلوا العدّة .
وقال عطاء : ولتكملوا عدّة أيام الشهر .
وقال سائر المفسّرين : ولتكملوا عدّة ماأفطرتم في مرضكم وسفركم إذا برأتم وأقمتم وقضيتموها . { وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ } ولتعظموا الله . { عَلَى مَا هَدَاكُمْ } لدينه ووفقكم ورزقكم شهر رمضان مخففّاً عليكم وخصّكم به دون سائر أهل الملل .
وقال أكثر العلماء : أراد به التكبير ليلة الفطر .
قال الشافعي روي عن ابن المسيّب وعروة بن سلمة :أنّهم كانوا يكبّرون ليلة الفطر ويجهرون بالتكبير قال : وشبّه ( . . . . . . . ) لنحرها .
قال ابن عبّاس وزيد بن أسلم : في هذه الآية حقّ على المسلمين إذا رأوا هلال شوّال أن يكبّروا إلى أن يخرج الإمام في الطرّيق والمسجد ، فإذا حضر الإمام كفّ فلا يكبرّ إلاّ بتكبيره ، والاختيار في لفظ التكبير ثلاثاً نسقاً . { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } على نعمه .