يخوف تعالى عباده ما أمامهم من يوم القيامة وما فيه من المحن والكروب ، ومزعجات القلوب فقال : { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ } بسبب النفخ فيه { مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ } أي : انزعجوا وارتاعوا وماج بعضهم ببعض خوفا مما هو مقدمة له . { إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } ممن أكرمه الله وثبته وحفظه من الفزع . { وَكُلٌّ } من الخلق عند النفخ في الصور { أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } صاغرين ذليلين ، كما قال تعالى : { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } ففي ذلك اليوم يتساوى الرؤساء والمرءوسون في الذل والخضوع لمالك الملك .
ومن آيتي الليل والنهار فى الأرض ، وحياتهم الآمنة المكفولة في ظل هذا النظام الكوني الدقيق يعبر بهم في ومضة إلى يوم النفخ في الصور ، وما فيه من فزع يشمل السماوات والأرض ومن فيهن من الخلائق إلا من شاء الله . وما فيه من تسيير للجبال الرواسي التي كانت علامة الاستقرار ؛ وما ينتهي إليه هذا اليوم من ثواب بالأمن والخير ، ومن عقاب بالفزع والكب في النار :
( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ؛ وكل أتوه داخرين . وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تمر مر السحاب ، صنع الله الذي أتقن كل شيء ، إنه خبير بما تفعلون . من جاء بالحسنة فله خير منها ، وهم من فزع يومئذ آمنون . ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار . هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) . .
والصور البوق ينفخ فيه . وهذه هي نفخة الفزع الذي يشمل كل من في السماوات ومن في الأرض - إلا من شاء الله أن يأمن ويستقر . . قيل هم الشهداء . . وفيها يصعق كل حي في السماوات والأرض إلا من شاء الله .
ثم تكون نفخة البعث . ثم نفخة الحشر . وفي هذه يحشر الجميع ( وكل أتوه داخرين )أذلاء مستسلمين .
{ ويوم ينفخ في الصور } في الصور أو القرن ، وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق . { ففزع من في السماوات ومن في الأرض } من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه . { إلا من شاء الله } أن لا يفزع بأن يثبت قلبه . قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل . وقيل الحور والخزنة وحملة العرش ، وقيل الشهداء ، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأنه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك { وكل أتوه } حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية ، أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة وحفص { أتوه } على الفعل ، وقرئ " أتاه " على التوحيد للفظ الكل . { داخرين } صاغرين وقرئ " دخرين " .
عطف على { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً } [ النمل : 83 ] ، عاد به السياق إلى الموعظة والوعيد فإنهم لما ذكروا ب« يوم يحشرون إلى النار » ذكروا أيضاً بما قبل ذلك وهو يوم النفخ في الصور ، تسجيلاً عليهم بإثبات وقوع البعث وإنذاراً بما يعقبه مما دل عليه قوله { ءاتوه داخرين } وقوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } .
والنفخ في الصور تقدم في قوله { وله الملك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام ( 73 ) وهو تقريب لكيفية صدور الأمر التكويني لإحياء الأموات وهو النفخة الثانية المذكورة في قوله تعالى { ثم نُفِخَ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] ، وذلك هو يوم الحساب . وأما النفخة الأولى فهي نفخة يعنى بها الإحياء ، أي نفخ الأرواح في أجسامها وهي ساعة انقضاء الحياة الدنيا فهم يصعقون ، ولهذا فرع عليه قوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض } ، أي عقبه حصول الفزع وهو الخوف من عاقبة الحساب ومشاهدة معدات العذاب ، فكل أحد يخشى أن يكون معذباً ، فالفزع حاصل مما بعد النفخة وليس هو فزعاً من النفخة لأن الناس حين النفخة أموات .
والاستثناء مجمل يبينه قوله تعالى بعد { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون } [ النمل : 89 ] وقوله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إلى قوله { لا يحزنهم الفزع الأكبر } [ الأنبياء : 101 103 ] وذلك بأن يبادرهم الملائكة بالبشارة . قال تعالى { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] وقال { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ يونس : 64 ] .
وجيء بصيغة الماضي في قوله { ففزع } مع أن النفخ مستقبل ، للإشعار بتحقق الفزع وأنه واقع لا محالة كقوله { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] لأن المضي يستلزم التحقق فصيغة الماضي كناية عن التحقق ، وقرينة الاستقبال ظاهرة من المضارع في قوله { ينفخ } .
والداخرون : الصاغرون . أي الأذلاء ، يقال : دَخِرَ بوزن منع وفرِح والمصدر الدخر بالتحريك والدخور .
وضمير الغيبة الظاهر في { ءاتوه } عائد إلى اسم الجلالة ، والإتيان إلى الله الإحضار في مكان قضائه ويجوز أن يعود الضمير على { يوم ينفخ في الصور } على تقدير : ءاتون فيه والمضاف إليه ( كل ) المعوض عنه التنوين ، تقديره : من فزع ممن في السموات والأرض آتوه داخرين . وأما من استثنى الله بأنه شاء أن لا يفزعوا فهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة .
وقرأ الجمهور { آتوه } بصيغة اسم الفاعل من أتى . وقرأ حمزة وحفص { أتوه } بصيغة فعل الماضي فهو كقوله { ففزع } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.