الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ} (87)

{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور } [ النمل : 87 ] .

وهو القَرْنُ في قول جمهور الأمة ، وصاحب الصور هو إسرافيل عليه السلام ، وهذه النفخةُ المذكورة هنا هي نفخة الفَزَع ، ورَوى أبو هريرةَ أنها ثلاثُ نفخات : نفخةُ الفَزَعِ ، وهو فزع حياةِ الدُّنيَا وليْسَ بالفَزَع الأكْبَرِ ، ونفخةُ الصَّعْقِ ، ونفخةُ القيام من القبور ، وقالت فرقة : إنما هما نفختان : كأنهم جَعَلُوا الفَزَعَ والصَّعْقَ في نفخةٍ وَاحِدَةٍ مستدلين بقوله تعالى : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى } [ الزمر : 68 ] .

قالوا : وأخرى لا يقال إلا في الثانية .

قال ( ع ) : والأول أصحُّ ، وأخرى يقال في الثالثةِ ، ومنه قوله تعالى : { ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 20 ] .

وقوله تعالى : { إِلاَّ مَن شَاءَ الله } [ النمل : 87 ] استثناءٌ فيمن قَضَى اللّه سبحانه مِنْ ملائكتِه ، وأنبيائه ، وشهداءِ عبيدِه أن لا ينالهم فزعُ النَّفْخِ في الصورِ ، حَسَبَ ما ورد في ذلك من الآثار .

قال ( ع ) : وإذا كان الفزعُ الأَكْبَرُ لاَ ينالهُم فَهُمْ حَرِيُّونَ أن لا ينالَهم هَذا .

وقرأ حمزة : «وَكُلُّ أَتَوْهُ » على صيغة الفعل الماضي ، والدَّاخِرُ : المُتَذَلِّلُ الخاضِعُ ، قال ابن عباس وابن زيد : الداخرُ : الصاغرُ ، وقد تظاهرَتِ الرواياتُ بأنَّ الاستثناءَ فِي هذِه الآيةِ إنما أريد به الشهداءُ : لأنهم أحياءٌ عند ربهم يُرْزَقُونَ ، وهم أهلٌ للفزعِ لأنَّهُمْ بشر لكن فُضِّلُوا بالأمن في ذلك اليوم .

( ت ) : واختار الحليميُّ هذا القولَ قال : وهو مروي عن ابن عباس : إن المستَثْنَى هم الشهداء . وضعَّفَ ما عداه من الأقوال ، قال القرطبي ، في تذكرته : وَقَدْ وَرَدَ في حديث أبي هريرة بِأَنَّهُمُ الشُّهَدَاءُ ، وهو حديثٌ صحيح ، انتهى .