فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ} (87)

ثم ذكر سبحانه علامة أخرى للقيامة فقال :{ ويوم ينفخ في الصور } وهو معطوف على { ويوم نحشر } منصوب بناصبه المتقدم ، قال الفراء : إن المعنى وذلكم يوم ينفح في الصور ، والأول لأولى ، والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل ، وقد تقدم في الأنعام استيفاء الكلام عليه ، والنفخات في الصور ثلاث :

الأولى : نفخة الفزع .

والثانية : نفخة الصعق

والثالثة : نفخة البعث وقيل إنها نفختان وإن نفخة الفزع إما أن تكون راجعة إلى نفخة الصعق أو إلى الصعق أو إلى نفخة البعث ، واختار هذا القشيري والقرطبي وغيرهما وقال الماوردي : هذه النفخة المذكورة هنا هي يوم النشور من القبور . { ففزع } كل { من } كان { في السماوات ومن } كان { في الأرض } حيا ذلك الوقت لم يسبق له موت أو كان ميتا لكنه حي في قبره كالأنبياء والشهداء أي خافوا الخوف المفضي بهم إلى الموت كما في آية أخرى { فصعق من في السماوات } الخ وانزعجوا لشدة ما سمعوا وقيل المراد بالفزع هنا الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم فزعت إليك في كذا إذا أسرعت إلى إجابته ، والأول أولى بمعنى الآية ، وإنما عبر بالماضي مع كونه معطوفا على المضارع لدلالة على تحقيق الوقوع حسبما ذكره علماء البيان وقال الفراء : هو محمول على المعنى لأن المعنى إذا نفخ .

{ إلا من شاء الله } أن لا يفرغ عند تلك النفخة فهو لا يفزع واختلف في تعيين من وقع الاستثناء له ، فقيل : هم الشهداء والأنبياء وقيل : الملائكة وقيل : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل : الحور العين وخزنة النار وحملة العرش . وقيل : هم المؤمنون كافة بدليل قوله فيما بعد ، من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون . ويمكن أن يكون الاستثناء شاملا لجميع المذكورين فلا مانع من ذلك ، قال البيضاوي لعل المراد ما يعم ذلك لعدم قرينة الخصوص انتهى . فهؤلاء كلهم لا يفضي بهم الفزع إلى الغشي والإغماء بل هو أقل من ذلك .

{ وكل أتوه } قرئ فعلا ماضيا ، وكذا قرأ ابن مسعود وقرأ قتادة ( كل آتاه ) وقرئ ( آتوه ) على اسم الفاعل مضافا إلى الضمير الراجع إلى الله سبحانه ، قال الزجاج : من قرأ على الفعل الماضي فقد وحد على لفظ كل ، ومن قرأ على اسم الفاعل فقد جمع على معناه وهو غلط ظاهر فإن كلتا القراءتين لا توحيد فيهما بل التوحيد في قراءة قتادة فقط .

{ داخرين } أي صاغرين ذليلين قال ابن عباس . وقرئ ( دخرين ) بغير الألف والمعنى صغار ذل وهيبة من الجبار فيشمل هذا الطائعين والعاصين وقال الكرخي : المراد به ذا العبودية والرق لا ذل الذنوب والمعاصي وذلك يعم الخلق كلهم كما في قوله تعالى { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمان عبدا } ، وفي القاموس : دخر الشخص كمنع وفرح دخرا ودخورا صغرا وذل وادخرته بالألف للتعدية وقد مضى تفسير هذا في سورة النحل .