المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

85- ويسألك - يا محمد - قومك - بإيعاز من اليهود - عن حقيقة الروح ، قل : الروح من علم ربى الذي استأثر به ، وما أوتيتم من العلم إلا شيئاً قليلاً في جانب علم الله تعالى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

{ 85 } { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }

وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل ، التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز ، ويدع السؤال عن المهم ، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية ، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد ، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد .

ولهذا أمر الله رسوله أن يجيب سؤالهم بقوله : { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي : من جملة مخلوقاته ، التي أمرها أن تكون فكانت ، فليس في السؤال عنها كبير فائدة ، مع عدم علمكم بغيرها .

وفي هذه الآية دليل على أن المسؤول إذا سئل عن أمر ، الأولى بالسائل غيره أن يعرض عن جوابه ، ويدله على ما يحتاج إليه ، ويرشده إلى ما ينفعه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

73

وراح بعضهم يسأل الرسول [ ص ] عن الروح ما هو ? والمنهج الذي سار عليه القرآن - وهو المنهج الأقوم - أن يجيب الناس عما هم في حاجة إليه ، وما يستطيع إدراكهم البشري بلوغه ومعرفته ؛ فلا يبدد الطاقة العقلية التي وهبها الله فيما لا ينتج ولا يثمر ، وفي غير مجالها الذي تملك وسائله وتحيط به . فلما سألوه عن الروح أمره الله أن يجيبهم بأن الروح من أمر الله ، اختص بعلمه دون سواه :

( ويسألونك عن الروح . قل : الروح من أمر ربي . وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) . .

وليس في هذا حجر على العقل البشري أن يعمل . ولكن فيه توجيها لهذا العقل أن يعمل في حدوده وفي مجاله الذي يدركه . فلا جدوى من الخبط في التيه ، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه لأنه لا يملك وسائل إدراكه . والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه ، وسر من أسراره القدسية أودعه هذا المخلوق البشري وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها . وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق ، وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود . والإنسان لا يدبر هذا الكون فطاقاته ليست شاملة ، إنما وهب منها بقدر محيطه وبقدر حاجته ليقوم بالخلافة في الأرض ، ويحقق فيها ما شاء الله أن يحققه ، في حدود علمه القليل .

ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع ؛ ولكنه وقف حسيرا أمام ذلك السر اللطيف - الروح - لا يدري ما هو ، ولا كيف جاء ، ولا كيف يذهب ، ولا أين كان ولا أين يكون ، إلا ما يخبر به العليم الخبير في التنزيل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

{ ويسألونك عن الروح } الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره . { قل الروح من أمر ربي } من الإبداعيات الكائنة ب { كن } من غير مادة وتولد من أصل كأعضاء جسده ، أو وجد بأمره وحدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه . وقيل مما استأثر الله بعلمه . لما روي : أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح ، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي ، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة . وقيل الروح جبريل وقيل خلق أعظم من الملك وقيل القرآن ، ومن أمر ربي معناه من وحيه . { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } تستفيدونه بتوسط حواسكم ، فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية . إنما هو من الضروريات المستفادة من إحساس الجزئيات ، ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علماً . ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس ولا شيئا من أحواله المعروفة لذاته ، وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به ، فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب : وما رب العالمين بذكر بعض صفاته . روي : أنه عليه الصلاة والسلام لما قال لهم ذلك قالوا : أنحن مختصون بهذا الخطاب ؟ فقال : بل نحن وأنتم ، فقالوا : ما أعجب شأنك ساعة تقول { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } وساعة تقول هذا فنزلت { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } وما قالوه لسوء فهمهم لأن الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير والحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه ومعاده ، وهو بالإضافة إلى معلومات الله التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين وهو بالإضافة إليه كثيرا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} (85)

الضمير في { يسألونك } قيل هو لليهود وإن الآية مدنية ، وروى عبد الله بن مسعود ، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمر على حرث بالمدينة ، ويروى على خرب ، وإذا فيه جماعة من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فإن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي ، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه ، ولا يطلع عليه أحداً من عباده ، قال ابن مسعود : وقال بعضهم : لا تسألوه لئلا يأتي في بشيء تكرهونه يعني والله أعلم من أنه لا يفسره فتقوى الحجة عليهم في نبوته ، قال فسألوه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عسيب فظننت أنه يوحى إليه ، ثم تلا عليهم الآية{[7687]} .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وقيل الآية مكية والضمير لقريش ، وذلك أنهم قالوا : نسأل عن محمد أهل الكتاب من اليهود ، فأرسلوا إليهم إلى المدينة النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، فقال اليهود لهما : جرباه بثلاث مسائل ، سلوه عن أهل الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الروح ، فإن فسر الثلاثة فهو كذاب ، وإن سكت عن الروح فهو نبي ، فسألته قريش عن الروح ، فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم «غداً أخبركم به » ، ولم يقل إن شاء الله ، فاستمسك الوحي عليه خمسة عشر يوماً ، معاتبة على وعده لهم دون استثناء ، ثم نزلت هذه الآية{[7688]} .

واختلف الناس في { الروح } المسؤول عن أي روح هو ؟ فقالت فرقة هي الجمهور : وقع السؤال عن الروح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي ؟ ف { الروح } اسم جنس على هذا ، وهذا هو الصواب ، وهو المشكل الذي لا تفسير له ، وقال قتادة { الروح } المسؤول عنه جبريل ، قال وكان ابن عباس يكتمه ، وقالت فرقة عيسى ابن مريم ، وقال علي بن أبي طالب : «ملك له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله سبحانه بكل تلك اللغات يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة » ، ذكره الطبري ، وما أظن هذا القول يصح عن علي ، وقالت فرقة { الروح } القرآن ، وهذه كلها أقوال مفسرة ، والأول أظهرها وأصوبها ، وقوله { من أمر ربي } يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يكون «الأمر » اسم جنس للأمور أي للروح من جملة أمور الله التي استأثر بعلمها ، فهي إضافة خلق إلى خالق ، والثاني أن يكون مصدراً من أمر يأمر أي الروح مما أمره أمراً بالكون فكان . وقرأ ابن مسعود والأعمش «وما أوتوا » ، ورواها ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ الجمهور «وما أوتيتم » ، واختلف فيمن خوطب بذلك ، فقالت فرقة : السائلون فقط ، ترجم الطبري بذلك ثم أدخل تحت الترجمة عن قتادة أنهم اليهود ، وقال قوم : المراد اليهود بجملتهم ، وعلى هذا هي قراءة ابن مسعود ، وقالت فرقة : العالم كله ، وهذا هو الصحيح لأن قول الله له { قل الروح } إنما هو أمر بالقول لجميع العالم إذ كذلك هي أقواله كلها وعلى ذلك تمت الآية من مخاطبة الكل ، ويحتمل أيضاً أن تكون مخاطبة من الله للنبي ولجميع الناس ويتصف ما عند جميع الناس من العلم بالقلة بإضافته إلى علم الله عز وجل الذي هو بهذه الأمور التي عندنا من علمها طرف يسير جداً ، كما قال الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام ، «ما نقص علمي وعلمك وعلم الخلائق من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر » ، وأراد الخضر علم الله تعالى بهذه الموجودات التي عند البشر من علمها طرف يسير نسبة إلى ما يخفى عليهم نسبة النقطة إلى البحر ، وأما علم الله على الإطلاق فغير متناه ، ويحتمل أن يكون التجوز في قول الخضر كما نقص هذا العصفور ، أي إما لا ينقص علمنا شيئاً من علم الله تعالى على الإطلاق ثم مثل بنقرة العصفور في عدم النقص ، إذ نقصه غير محسوس ، فكأنه معدوم ، فهذا احتمال ، ولكن فيه نظر ، وقد قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف لم نؤت من العلم إلا قليلاً ؟ وقد أوتينا التوراة ، وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، فعارضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم الله ، فغلبوا ، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في بعض الأحاديث «كلاًّ » يعني أن المراد ب { أوتيتم } جميع العالم ، وذلك أن يهود قالت له : نحن عنيت أو قومك ؟ فقال «كلاًّ »{[7689]} ، وفي هذا المعنى نزلت

{ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام }{[7690]} ، حكى ذلك الطبري رحمه الله .


[7687]:أخرج هذا الحديث أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه. (الدر المنثور).
[7688]:أخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن المنذر، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي، كلاهما في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيتم من العلم إلا قليلا} ، قالوا: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، فأنزل الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا}.
[7689]:حكى الطبري عن عطاء بن يسار، قال: نزلت بمكة {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه أحبار يهود، فقالوا: يا محمد، ألم يبلغنا أنك تقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، أفعنيتنا أم قومك؟ قال: كلا قد عنيت، قالوا، فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في علم الله قليل، وقد آتاكم ما إن عملتم به انتفعتم، فأنزل الله : {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} . . . إلى قوله: {إن الله سميع بصير}.
[7690]:من الآية (27) من سورة (لقمان).