إذ تقول يا محمد للمؤمنين يوم بدر مبشرا لهم بالنصر { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } أي : من مقصدهم هذا ، وهو وقعة بدر { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } أي : معلمين بعلامة الشجعان ، فشرط الله لإمدادهم ثلاثة شروط : الصبر ، والتقوى ، وإتيان المشركين من فورهم هذا ، فهذا الوعد بإنزال الملائكة المذكورين وإمدادهم بهم ، وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له الشرطين الأولين كما تقدم في قوله : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }
{ بلى } إيجاب لما بعد لن ، أي بلى يكفيكم . ثم وعد لهم الزيادة على الصبر والتقوى حثا عليهما وتقوية لقلوبهم فقال : { إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم } أي المشركون . { من فورهم هذا } من ساعتهم هذه ، وهو في الأصل مصدر من فارت القدر إذ غلت ، فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي ، والمعنى إن يأتوكم في الحال . { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة } في حال إتيانهم بلا تراخ ولا تأخير . { مسومين } معلمين من التسويم الذي هو إظهار سيما الشيء لقوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه . " تسوموا فإن الملائكة قد تسومت " . أو مرسلين من التسويم بمعنى الأسامة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو .
و { بلى } - جواب للنفي الذي في { ألن } وقد تقدم معناه ، ثم ذكر تعالى الشرط الذي معه يقع الإمداد وهو الصبر ، والتقى . و «الفور » : النهوض المسرع إلى الشيء مأخوذ من فور القدر والماء ونحوه ، ومنه قوله تعالى : { وفار التنور }{[3507]} فالمعنى ويأتوكم في نهضتكم هذه ، قال ابن عباس : { من فورهم هذا } : معناه من سفرهم هذا ، قال الحسن والسدي : معناه ، من وجههم هذا ، وقاله قتادة ، وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح مولى أم هاني{[3508]} : من غضبهم هذا .
قال القاضي : وهذا تفسير لا يخص اللفظة قد يكون «الفور » لغضب ولطمع ولرغبة في أجر ، ومنه الفور في الحج والوضوء ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم : «مسوِّمين » ، بكسر الواو ، وقرأ الباقون : «مسوَّمين » بفتح الواو ، فأما من قرأ بفتح الواو فمعناه : معلمين بعلامات ، قال أبو زيد الأنصاري{[3509]} : «السومة » العلامة تكون على الشاة وغيرها يجعل عليها لون يخالف لونها لتعرف ، وروي أن الملائكة أعلمت يومئذ بعمائم بيض ، حكاه المهدوي عن الزجّاج ، إلا جبريل عليه السلام فإنه كان بعمامة صفراء على مثال عمامة الزبير بن العوام ، وقاله ابن إسحاق ، وقال مجاهد : كانت خيلهم مجزوزة الأذناب والأعراف معلمة النواصي والأذناب بالصوف والعهن ، وقال الربيع : كانت سيماهم أنهم كانوا على خيل بلق ، وقال عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير{[3510]} : نزلت الملائكة في سيما الزبير عليهم عمائم صفر ، وقال ذلك عروة وعبد الله ابنا الزبير : وقال عبد الله : كانت ملاءة صفر فاعتم الزبير بها ، ومن قرأ : «مسوِّمين » بكسر الواو ، فيحتمل من المعنى مثل ما تقدم ، أي هم قد أعلموا أنفسهم بعلامة وأعلموا خيلهم ، ورجح الطبري وغيره هذه القراءة ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين يوم بدر : «سوِّموا فإن الملائكة قد سوَّمت{[3511]} ، فهم على هذا مسومون » ، وقال كثير من أهل التفسير : إن معنى «مسوِّمين » ، بكسر الواو أي هم قد سوموا خيلهم : أي أعطوها سومها من الجري والقتال والإحضار فهي سائمة ، ومنه سائمة الماشية ، لأنها تركت وسومها من الرعي ، وذكر المهدوي هذا المعنى في «مسوَّمين » بفتح الواو أي أرسلوا وسومهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.