المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

87- يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا على أنفسكم ما أحلَّ الله لكم من الطيبات ، ولا تتجاوزوا الحدود التي شرعها الله لكم من التوسط في أموركم ، إن الله لا يحب المتجاوزين للحدود .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

يقول تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ } من المطاعم والمشارب ، فإنها نعم أنعم الله بها عليكم ، فاحمدوه إذ أحلها لكم ، واشكروه ولا تردوا نعمته بكفرها أو عدم قبولها ، أو اعتقاد تحريمها ، فتجمعون بذلك بين القول على الله الكذب ، وكفر النعمة ، واعتقاد الحلال الطيب حراما خبيثا ، فإن هذا من الاعتداء .

والله قد نهى عن الاعتداء فقال : { وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

هذا القطاع بجملته يتناول قضية واحدة على تعدد الموضوعات التي يتعرض لها - ويدور كله حول محور واحد . . إنه يتناول قضية التشريع فيجعلها هي قضية الألوهية . . الله هو الذي يحرم ويحلل . . والله هو الذي يحظر ويبيح . . والله هو الذي ينهى ويأمر . . ثم تتساوى المسائل كلها عند هذه القاعدة . كبيرها وصغيرها . فشئون الحياة الإنسانية بجملتها يجب أن ترد إلى هذه القاعدة دون سواها .

والذي يدعي حق التشريع أو يزاوله ، فإنما يدعي حق الألوهية أو يزاوله . . وليس هذا الحق لأحد إلا لله . . وإلا فهو الاعتداء على حق الله وسلطانه وألوهيته . . والله لا يحب المعتدين . . والذي يستمد في شيء من هذا كله من عرف الناس ومقولاتهم ومصطلحاتهم ، فإنما يعدل عما أنزل الله إلى الرسول . . ويخرج بهذا العدول عن الإيمان بالله ويخرج من هذا الدين .

وتبدأ كل فقرة من فقرات هذا القطاع بنداء واحد مكرر : { يا أيها الذين آمنوا } . . { يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا . . } . . { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه . . } . . { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب . . } . . { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . } . . { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . . } . . { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم . . } . .

ولهذا النداء على هذا النحو مكانه ودلالته في سياق هذا القطاع الذي يعالج قضية التشريع فيجعلها هي قضية الألوهية وقضية الإيمان ، وقضية الدين . . إنه النداء بصفة الإيمان الذي معناه ومقتضاه الاعتراف بألوهية الله وحده ، والاعتراف له سبحانه بالحاكمية . . فهو نداء التذكير والتقرير لأصل الإيمان وقاعدته ؛ بهذه المناسبة الحاضرة في السياق . ومعه الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول ؛ والتحذير من التولي والإعراض ؛ والتهديد بعقاب الله الشديد ، والإطماع في مغفرته ورحمته لمن أناب .

ثم . . بعد ذلك . . المفاصلة بين الذين آمنوا ومن يضل عن طريقهم ، ولا يتبع منهجهم هذا في ترك قضية التشريع لله في الصغيرة والكبيرة ؛ والتخلي عن الاعتداء على حق الله وسلطانه وألوهيته :

{ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، إلى الله مرجعكم جميعاً ، فينبئكم بما كنتم تعملون } . .

فهم أمة واحدة لها دينها ، ولها نهجها ، ولها شرعها ، ولها مصدر هذا الشرع الذي لا تستمد من غيره . ولا على هذه الأمة - حين تبين للناس منهجها هذا ثم تفاصلهم عليه - من ضلال الناس ، ومضيهم في جاهليتهم .

ومرجعهم بعد ذلك إلى الله .

هذا هو المحور العام الذي يقوم عليه القطاع بجملته . أما الموضوعات الداخلة في إطاره فقد أشرنا إليها في التقديم لهذا الجزء إشارة مجملة . والآن نواجهها تفصيلا في حدود هذا الإطار العام :

( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ، ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين . وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون . . لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان . فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ، واحفظوا أيمانكم ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ) . .

يا أيها الذين آمنوا . . إن مقتضى إيمانكم ألا تزاولوا أنتم - وأنتم بشر عبيد لله - خصائص الألوهية التي يتفرد بها الله . فليس لكم أن تحرموا ما أحل الله من الطيبات ؛ وليس لكم أن تمتنعوا - على وجه التحريم - عن الأكل مما رزقكم الله حلالا طيبا . . فالله هو الذي رزقكم بهذا الحلال الطيب . والذي يملك أن يقول : هذا حرام وهذا حلال :

( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا . إن الله لا يحب المعتدين . وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ؛ واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )

إن قضية التشريع بجملتها مرتبطة بقضية الألوهية . والحق الذي ترتكن إليه الألوهية في الاختصاص بتنظيم حياة البشر ، هو أن الله هو خالق هؤلاء البشر ورازقهم . فهو وحده صاحب الحق إذن في أن يحل لهم ما يشاء من رزقه وأن يحرم عليهم ما يشاء . . وهو منطق يعترف به البشر أنفسهم . فصاحب الملك هو صاحب الحق في التصرف فيه . والخارج على هذا المبدأ البديهي معتد لا شك في اعتدائه ! والذين آمنوا لا يعتدون بطبيعة الحال على الله الذي هم به مؤمنون . ولا يجتمع الاعتداء على الله والايمان به في قلب واحد على الإطلاق !

هذه هي القضية التي تعرضها هاتان الآيتان في وضوح منطقي لا يجادل فيه إلا معتد . . والله لا يحب المعتدين . . وهي قضية عامة تقرر مبدأ عاما يتعلق بحق الألوهية في رقاب العباد ؛ ويتعلق بمقتضى الإيمان بالله في سلوك المؤمنين في هذه القضية . . وتذكر بعض الروايات أن هاتين الآيتين والآية التي بعدهما - الخاصة بحكم الأيمان - قد نزلت في حادث خاص في حياة المسلمين على عهد رسول الله [ ص ] ولكن العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب . وإن كان السبب يزيد المعنى وضوحا ودقة :

روى ابن جرير . . أنه [ ص ] جلس يوما فذكر الناس ، ثم قام ولم يزدهم على التخويف . فقال ناس من أصحابه : ما حقنا إن لم نحدث عملا ، فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم ! فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والورك ، وأن يأكل بالنهار ؛ وحرم بعضهم النساء . . فبلغ ذلك رسول الله [ ص ] فقال : " ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم ؟ ألا إني أنام وأقوم ، وأفطر وأصوم ، وأنكح النساء فمن رغب عني فليس مني " ؛ فنزلت : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا . . . الخ .

وفي الصحيحين من رواية أنس - رضي الله عنه - شاهد بهذا الذي رواه ابن جرير :

قال : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج رسول الله [ ص ] يسألون عن عبادته . فلما أخبروا عنها كأنهم تقالوها . قالوا : أين نحن من رسول الله [ ص ] وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا . وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر :

وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا . فجاء رسول الله [ ص ] إليهم ، فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا . أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له . ولكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " .

وأخرج الترمذي - بإسناده - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلًا أتى النبي [ ص ] فقال : إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي ، فحرمت علي اللحم فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم . . . الآية . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } أي ما طاب ولذ منه كأنه لما تضمن ما قبله مدح النصارى على ترهبهم والحث على كسر النفس ورفض الشهوات عقبه النهي عن الإفراط في ذلك والاعتداء عما حد الله سبحانه وتعالى بجعل الحلال حراما فقال : { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } ويجوز أن يراد به ولا تعتدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم ، فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم داعية إلى القصد بينهما .