الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

{ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } ما طاب ولذ من الحلال . ومعنى { لاَ تُحَرّمُواْ } لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم . أو لا تقولوا حرّمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهداً منكم وتقشفاً وروي : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يوماً لأصحابه ، فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار ، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون ، واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض ، ويجبوا مذاكيرهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : « إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقاً ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني » ونزلت . وروي : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذ ، وكان يعجبه الحلواء والعسل . وقال : « إن المؤمن حلو يحب الحلاوة » ، وعن ابن مسعود أن رجلاً قال له : إني حرمت الفراش فتلا هذه الآية وقال : نم على فراشك وكفر عن يمينك . وعن الحسن أنه دعي إلى طعام ومعه فرقد السنجيّ وأصحابه ، فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك ، فاعتزل فرقد ناحية ، فسأل الحسن : أهو صائم ؟ قالوا : لا ، ولكنه يكره هذه الألوان . فأقبل الحسن عليه وقال : يا فريقد ، أترى لعاب النحل بلباب البرّ بخالص السمن يعيبه مسلم . وعنه أنه قيل له . فلان لا يأكل الفالوذ ويقول : لا أؤدّي شكره . قال : أفيشرب الماء البارد ؟ قالوا : نعم . قال : إنه جاهل ، إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذ . وعنه أن الله تعالى أدّب عباده فأحسن أدبهم . قال الله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ } [ الطلاق : 7 ] ما عاب الله قوماً وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوا ، ولا عذر قوماً زواهاً عنهم فعصوه { وَلاَ تَعْتَدُواْ } ولا تتعدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرّم عليكم . أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات . أو جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلماً ، فنهى عن الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها دخولاً أولياً لوروده على عقبه أو أراد ولا تعتدوا بذلك .