الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ) الآية [ 89 ] .

( معنى الآية )( {[17676]} ) : أن الله أباح أكل الطيبات التي تشتهيها( {[17677]} ) الأنفس ، وألا يحرمها أحد على نفسه ، ثم نهاهم عن الاعتداء ، وهو تعدي الحدود التي ( قد )( {[17678]} ) حرمت( {[17679]} ) .

وهذه [ الآية ]( {[17680]} ) نزلت في أبي بكر وعمر ( وعثمان )( {[17681]} ) وعلي وابن مسعود وغيرهم( {[17682]} ) ، اجتمعوا في ( دار )( {[17683]} ) عثمان بن مظعون( {[17684]} ) على أن يَجُبُّوا( {[17685]} ) أنفسهم ، وأن يعتزلوا النساء ، ولا يأكلوا( {[17686]} ) لحماً ولا دسماً وأن يلبسوا المسوح ، ولا يأكلوا( {[17687]} ) من الطعام إلا القوت( {[17688]} ) ، وأن يسيحوا في الأرض/ كهيئة الرهبان ، فبلغ ذلك النبي عليه السلام( {[17689]} ) ، فأتى عثمان بن مظعون( {[17690]} ) في منزله فلم يجده ولا [ إياهم ]( {[17691]} ) ، فقال لامرأة عثمان أحقّ( {[17692]} ) ما بلغني عن زوجك وأصحابه ؟ ، فقالت : ما هو يا رسول الله ؟ ، فأخبرها ، فكرهت( {[17693]} ) أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكرهت أن تبدي( {[17694]} ) على زوجها ، فقالت : يا رسول الله ، إن كان عثمان أخبرك فقد صدقك ، فقال لها : [ قولي ]( {[17695]} ) لزوجك وأصحابه –إذا رجعوا- : إن رسول الله يقول لكم : إني آكل وأشرب ، وآكل اللحم والدسم ، وأنام وأصلي ، وآتي النساء وأصوم وأفطر ، فمن رغب عن سنتي فليس مني . ثم انصرف . فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرتهم امرأته بما أمرها ( به )( {[17696]} ) رسول الله ، فجاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله [ حَدَّثَتْنِي ]( {[17697]} ) نفسي فلم أحب أن أحدث شيئاً حتى أذكر لك ، فقال( {[17698]} ) ( له النبي صلى الله عليه وسلم : ( و )( {[17699]} ) ما تحدثك به نفسك يا عثمان ؟ ، قال : تحدثني أن أختصي . قال( {[17700]} )( {[17701]} ) : مهلاً يا عثمان ، فإن خصاء( {[17702]} ) أمتي الصيام . فقال : ( يا )( {[17703]} ) رسول الله ، فإن نفسي تحدثني أن أترهب في رؤوس الجبال . فقال : مهلاً يا عثمان ، فإن ترهب أمتي الجلوس في المسجد( {[17704]} ) لانتظار الصلوات . فقال : يا رسول الله ( فإن نفسي )( {[17705]} ) تحدثني أن( {[17706]} ) أسيح [ في الأرض ]( {[17707]} ) قال( {[17708]} ) : مهلاً يا عثمان ، فإن سياحة( {[17709]} ) أمتي الغزو( {[17710]} ) في سبيل الله والحج والعمرة . قال : يا رسول الله ، فإن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله . قال : مهلاً يا عثمان ، فإن صدقتك يوماً بيوم ، وتكف عيالك وترحم المسكين( {[17711]} ) واليتيم فتعطهما( {[17712]} ) أفضل لك . فقال : يا رسول الله ، فإن نفسي تحدثني أن أطلق خولة( {[17713]} ) [ بنت خويلد ]( {[17714]} ) امرأتي ، قال( {[17715]} ) : مهلاً( {[17716]} ) يا عثمان ، فإن الهجرة في أمتي من هجر ما حرم الله ، وهاجر في حياتي ، وزار قبري بعد مماتي ، أو( {[17717]} ) مات وله امرأة أو امرأتان أو ثلاث( {[17718]} ) أو أربع . قال : فإن نفسي تحدثني بأن لا أغشى النساء . قال : مهلاً يا عثمان ، فإن الرجل ، المسلم إذا غشي أهله أو ما ملكت يمينه ، فإنه لم يكن له من وقعته تلك ولد ، كان له وصيف( {[17719]} ) في الجنة ، وإن كان ( له )( {[17720]} ) ولد من وقعته فمات قبله( {[17721]} ) ، كان له فرطاً وشفيعاً يوم القيامة ، وإن مات بعده كان له نوراً( {[17722]} ) يوم القيامة .

قال : يا رسول الله ، فإن نفسي تحدثني بأن لا أكل اللحم . قال : مهلاً يا عثمان ، فأنا( {[17723]} ) أحب اللحم ، وآكله إذا وجدته ، ولو سألت [ ربي أن ]( {[17724]} ) يطعمنيه ( في )( {[17725]} ) كل يوم لأطعمنيه . قال : يا رسول الله : فإن نفسي تحدثني ألا أمس الطيب . قال : مهلاً يا عثمان ، فإن جبريل أمرني بالطيب غباً ، لا ترغب عن سنتي ، [ فمن ]( {[17726]} ) رغب عن سنتي ثم مات قبل أن يتوب ، ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وغلّظ )( {[17727]} ) فيهم المقالة وقال : إنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، فأولئك بقاياهم( {[17728]} ) في الديار والصوامع . اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وحجوا واعتمروا ، واستقيموا يستقم يستقم( {[17729]} ) لكم ، فنزلت :

( يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ) إلى ( مُومِنُونَ )( {[17730]} ) .

والاعتداء " ها " ( {[17731]} ) هنا هو ما نووا من جب( {[17732]} ) أنفسهم ، نهو عن ذلك ، قاله السدي( {[17733]} ) . وقيل : هو ما نووا من التحريم على أنفسهم( {[17734]} ) . وقال الحسن : معنى ( لاَ تَعْتَدُوا ) إلى ( مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ )( {[17735]} ) . وأصل الاعتداء : التجاوز إلى ما لا يحل( {[17736]} ) .


[17676]:- ساقطة من ج.
[17677]:- ب: تشتهها.
[17678]:- ساقطة من ب.
[17679]:- انظر: تفسير الطبري 10/513.
[17680]:- ساقطة من أ.
[17681]:- ساقطة من ب ج د.
[17682]:- وهم عشرة من الصحابة، انظر: أسماءهم في أسباب النزول 137.
[17683]:- ساقطة من ج.
[17684]:- مخرومة في أ. ج د: مطعون. وهو أبو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب الحمصي، من مهاجري الحبشة. أول من مات بالمدينة سن 2هـ، وأول من دفن بالبقيع، قبله رسول الله ميتاً، انظر: الاستيعاب 3/1053، والإصابة 4/461، والأعلام 4/214.
[17685]:- ب: يخيروا.
[17686]:- ب: يأكلون.
[17687]:- ب: يأكلون.
[17688]:- ب د: القوة.
[17689]:- ب ج د: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[17690]:- أ: إياه.
[17691]:- ج: مطعون. د: مضعون.
[17692]:- ب: اقو.
[17693]:- في هامش "د": انظر: هنا صواب المرأة مع النبي، والذي قال: يحاسب المرأ على الأكل والشراب، فإن ذلك من سنة رسول الله، فابحث إلى أسفل الورق".
[17694]:- مخرومة في أ.
[17695]:- أ: قل.
[17696]:- ساقطة من ب ج د.
[17697]:- أ ج د: حدثت.
[17698]:- ب: فقال لي.
[17699]:- ساقطة من ب ج د.
[17700]:- ج د: فقال.
[17701]:- ساقطة من ب.
[17702]:- ب: خصال.
[17703]:- ساقطة من ج.
[17704]:- مخرومة في أ. ج: المساجد.
[17705]:- ساقطة من د.
[17706]:- ب ج د: بان.
[17707]:- ساقطة من أ.
[17708]:- ب ج د: فقال.
[17709]:- ب ج د: سياح.
[17710]:- ب: العزوا.
[17711]:- ب: المساكين.
[17712]:- ب ج د: فتطعمه.
[17713]:- ب: قولة.
[17714]:- ساقطة من أ.
[17715]:- ب ج د: فقال:
[17716]:- ب: امهلا.
[17717]:- ج: و.
[17718]:- ب ج: ثلاثة.
[17719]:- "الوصيف: الخادم، غلاماً كان أو جارية": اللسان: وصف.
[17720]:- ساقطة من ج د.
[17721]:- ب: قيله.
[17722]:- ب: نور.
[17723]:- ب ج د: فاني.
[17724]:- أ: أ.
[17725]:- ساقطة من ج د.
[17726]:- أ: ومن.
[17727]:- ب ج: فغلظ. د: فغلط.
[17728]:- يغاباهم.
[17729]:- ج: يستقيم.
[17730]:- ج د: المومنين. وانظر: ست عشرة رواية في تفسير الطبري 10/514 وما بعدها بعضها يكمل الآخر لتقترب كثيراً مما ذكر هنا، وانظر: كذلك ما "قال المفسرون" في أسباب النزول 137 و138، وثلاث روايات في لباب النقول 96 و97. هذا وأخرجه الترمذي في سننه ح:3052 في التفسير- باب: ومن سورة المائدة-مختصراً وقال: هذا حديث حسن غريب: وانظر: جامع الأصول 2/119 ح: 600.
[17731]:- ساقطة من ب ج د.
[17732]:- ب د: حب.
[17733]:- انظر: تفسير الطبري 10/521، وهو قول الزجاج في معانيه 2/201.
[17734]:- هم قول عكرمة في تفسير الطبري 10/521.
[17735]:- انظر: تفسير الطبري 10/521، وهو قول الزجاج في معانيه 2/201.
[17736]:- انظر: تفسير الطبري 10/522.