الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ } الآية

قال المفسرون : " جلس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوماً فذكّر الناس يوم القيامة ولم يزدهم على التخويف ، فرقّ الناس وبكوا ، فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم : أبو بكر وعلي ، وابن مسعود ، وعبد اللّه بن عمر وأبو ذر الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرن ، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويصوموا الليل ولا يناموا على فرشهم ، ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويلبسوا المسموح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض ، فيذهبوا ويجبوا مذاكيرهم ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأتى دار عثمان بن مظعون ، فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكم بنت أبي أمية : أين الحولاء وكانت عطارة : أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه ؟ فكرهت أن تكذب رسول اللّه وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول اللّه إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك ، فانصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلما دخل عثمان أخبرته بذلك ، فأتى رسول اللّه هو وأصحابه .

فقال لهم : " ألم أنبأ إنكم اتفقتم على كذا وكذا " ، قالوا : بلى يا رسول اللّه وما أردنا إلاّ الخير ، فقال ( عليه السلام ) : إني لم أؤمر بذلك ، ثم قال : " إن لأنفسكم عليكم حقاً ، صوموا وأفطروا وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ، ومن رغب عن سنتي فليس مني " .

ثم جمع الناس وخاطبهم ثم قال : " ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا ، أما أني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء واتخاد الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ، ورهبانيتهم الجهاد ، اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقيم لكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدّد اللّه عليهم باطلاً بإقدامهم في الديرات والصوامع فأنزل اللّه تعالى هذه الآية " .

وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال : " ضاف عبد اللّه بن رواحة ضيفاً فانقلب ابن رواحة ولم يتعشّ فقال لزوجته : ما عشيتيه ؟ فقالت : كان الطعام قليلاً فانتظرتك ، فقال : حبست ضيفي من أجلي ؟ طعامك عليّ حرام فقالت : وهو عليّ حرام إن لم تأكله . وقال الضيف : وهو حرام إن ذقته إن لم تأكلوه ، فلما رأى ذلك ابن رواحة ، قال : قرّبي طعامك ، كلوا بسم اللّه ، وجاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك ، فقال ( عليه السلام ) : أحسنت ونزلت هذه الآية " .

روى عكرمة عن ابن عباس : أن رجلاً أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول اللّه إني إذا أكلت اللحم انتشرتُ ، وأخذتني شهوتي فحرمته ، فأنزل اللّه { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ } يعني اللذات التي تشتهيها النفوس وتميل إليها القلوب ، وما أحل اللّه لكم من المطاعم الطيبة والمشارب اللذيذة { وَلاَ تَعْتَدُواْ } ولا تجاوزوا الحلال إلى الحرام .

وقيل : هو جبّ المذاكير وقطع آلة التناسل .