بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

قوله تعالى :

{ يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ }

نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنهم سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يوماً ، وخوف النار والحساب ، فاجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون ، فتواثقوا بأن يخصوا أنفسهم ، ويترهبوا فنهاهم الله عن ذلك . فنزلت هذه الآية : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } .

قال : حدّثنا الفقيه أبو جعفر قال : حدّثنا أبو القاسم أحمد بن محمد ، قال : حدّثنا محمد بن فضيل ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن مدرك بن قزعة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله غلبني حديث النفس ، ولا أحب أن أحدث شيئاً حتى أذكر لك ، قال صلى الله عليه وسلم : « وَمَا تُحَدِّثُكَ نَفْسُكَ يَا عُثْمَانُ » ؟ قال : تحدثني أن أخصي نفسي . قال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ إِخْصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ » قال : يا رسول الله ، إن نفسي تحدثني أن أترهب في رؤوس الجبال . فقال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ تَرْهِيبَ أُمَّتِي ، الجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلَوَاتِ » قال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن أسيح في الأرض ؟ . قال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ : فَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الغَزْوُ فِي سَبِيلِ الله ، وَالحَجُّ وَالعُمْرَةُ » قال : فإن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله ؟ قال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ صَدَقَتَكَ يَوْماً بِيَوْمٍ ، وَتَكُفُّ نَفْسَكَ وَعِيَالَكَ ، وَتَرْحَمُ المَسَاكِينَ ، وَاليَتِيمَ ، أَفْضَلُ مِنْ ذلك » فقال : يا رسول الله ، فإن نفسي تحدثني أن أطلق خَوْلة . فقال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ الهِجْرَةَ فِي أُمَّتِي ، مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ الله ، أَوْ هَاجَرَ إِليَّ فِي حَيَاتِي ، أَوْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي ، أَوْ مَاتَ وَلَهُ امْرَأَةٌ ، أَوِ امْرَأَتَانِ ، أَوْ ثَلاثٌ ، أَوْ أَرْبَعٌ » قال يا رسول الله فإن نهيتني أن أطلقها ، فإن نفسي تحدثني بأن لا أغشاها . قال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ المُسْلِمَ إِذَا غَشِيَ أَهْلَهُ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ ، كَانَ لَهُ وَصِيفاً فِي الجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَقْعَتِهِ تِلْكَ وَلَدٌ ، فَمَاتَ قَبْلَهُ كَانَ فَرَطاً وَشَفِيعاً يَوْمَ القِيامَةِ . فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ نُوراً يَوْم القِيَامَةِ » فقال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا آكل اللحم . قال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ ، فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّحْمَ ، وَآكُلُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ ، وَلَوْ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُطْعِمَنِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لأَطْعَمَنِيهِ »

قال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا أمسّ الطيب . قال : « مَهْلاً يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بَالطَّيِّبِ غبّاً غبّاً » وقال : « لا تَتْرُكْهُ يَا عُثْمَانُ ، لا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ ، صَرَفَتِ المَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ القِيَامَةِ » ونزلت هذه الآية { لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } .

{ وَلاَ تَعْتَدُواْ } يقول : يعني : لا تحرموا حلاله ، { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين } . ويقال : إن مُحَرِّم ما أحل الله كمُحِلِّ ما حرم الله .