جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ } أيك ما طاب ولذ منه { ولا تعتدوا } : لا تبالغوا في التضييق على أنفسكم في تحريم المباحات عليها ، أو لا تجاوزوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم ، أو لا تعتدوا في تناول الحلال بل خذوا منه بقدر الكفاية { إن الله لا يحب المعتدين{[1306]} } : لا يرضى عمن تجاوز الحد في الأمور نزلت في جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه تبتلوا واعتزلوا النساء وطيبات الطعام واللباس وهموا بالإخصاء ولذلك قيل الاعتداء : الإخصاء .


[1306]:ولما مدح النصارى بأن منهم قسيسين ورهبانا وشيمتهم الزهد عن الطيبات أوهم ذلك رغبة المسلمين في مثل تقشفهم وتبتلهم فبين أن الإسلام لا رهبانية فيه فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا) قال ابن جرير لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح، ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على عثمان بن مظعون [أخرجه البخاري في (النكاح) (5073) ومسلم في (النكاح) (54913) ط الشعب]. فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله إليه عباده وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنه لأمته واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون إذ كان خير الهدى هدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حلة وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة على النساء، قال: فإن ظن ظان أن الفضل في غير الذي قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وهذا ما فضل بينهما من القيامة إلى أهل الحاجة فقد ظن خطأ وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها ولا شيء أضر على الجسم من المطاعم الردية، لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سببا إلى طاعته/12 فتح.