المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

40- وجزاء المسيء إساءة مماثلة تقريراً للعدل ، فمن عفا عمن أساءه عند القدرة ، وأصلح ما بينه وبين خصمه تقريراً للود ، فثوابه على الله الذي لا يعلم بقدره سواه ، إن الله لا يرحم المعتدين على حقوق الناس بمجاوزة شريعة الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

{ 40-43 } { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }

ذكر الله في هذه الآية ، مراتب العقوبات ، وأنها على ثلاث مراتب : عدل وفضل وظلم .

فمرتبة العدل ، جزاء السيئة بسيئة مثلها ، لا زيادة ولا نقص ، فالنفس بالنفس ، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها ، والمال يضمن بمثله .

ومرتبة الفضل : العفو والإصلاح عن المسيء ، ولهذا قال : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } يجزيه أجرا عظيما ، وثوابا كثيرا ، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه ، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه ، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته ، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به .

وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو ، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به ، فكما يحب أن يعفو الله عنه ، فَلْيَعْفُ عنهم ، وكما يحب أن يسامحه الله ، فليسامحهم ، فإن الجزاء من جنس العمل .

وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله : { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } الذين يجنون على غيرهم ابتداء ، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته ، فالزيادة ظلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

36

ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة :

( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) . .

فهذا هو الأصل في الجزاء . مقابلة السيئة بالسيئة ، كي لا يتبجح الشر ويطغى ، حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن !

ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد . وهو استثناء من تلك القاعدة . والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة . فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء . فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجيء ضعفا يخجل ويستحيي ، ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى . والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو . فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا . ولا كذلك عند الضعف والعجز . وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز . فليس له ثمة وجود . وهو شر يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه ، وينشر في الأرض الفساد !

( إنه لا يحب الظالمين ) . .

وهذا توكيد للقاعدة الأولى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها )من ناحية . وإيحاء بالوقوف عند رد المساءة أو العفو عنها . وعدم تجاوز الحد في الاعتداء ، من ناحية أخرى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

قوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } كقوله تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ]

وكقوله{[25929]} { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } [ النحل : 129 ] فشرع العدل وهو القصاص ، وندب إلى الفضل وهو العفو ، كقوله [ تعالى ]{[25930]} { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة : 45 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } أي : لا يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث : " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " وقوله : { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } أي : المعتدين ، وهو المبتدئ بالسيئة .

[ وقال بعضهم : لما كانت الأقسام ثلاثة : ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات ، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } ، ثم ذكر السابق بقوله : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } ثم ذكر الظالم بقوله : { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } فأمر بالعدل ، وندب إلى الفضل ، ونهى من الظلم ]{[25931]} .


[25929]:- (1) في ت: "وقوله".
[25930]:- (2) زيادة من ت.
[25931]:- (3) زيادة من ت، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

وقوله : وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها وقد بيّنا فيما مضى معنى ذلك ، وأن معناه : وجزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه الله عليه ، فهي وإن كانت عقوبة من الله أوجبها عليه ، فهي مَساءة له . والسيئة : إنما هي الفعلة من السوء ، وذلك نظير قول الله عزّ وجلّ وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاّ مِثْلَها وقد قيل : إن معنى ذلك : أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : قال لي أبو بشر : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها قال : يقول أخزاه الله ، فيقول : أخزاه الله .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها قال : إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي . وكان ابن زيد يقول في ذلك بما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في : وَالّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ من المشركين وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها ، فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ . . . الاَية ، ليس أمركم أن تعفوا عنهم لأنه أحبهم وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، ثم نسخ هذا كله وأمره بالجهاد ، فعلى قول ابن زيد هذا تأويل الكلام : وجزاء سيئة من المشركين إليكم ، سيئة مثلها منكم إليهم ، وإن عفوتم وأصلحتم في العفو ، فأجركم في عفوكم عنهم إلى الله ، إنه لا يحبّ الكافرين وهذا على قوله كقول الله عزّ وجلّ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل ما اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ، وَاتّقُوا اللّهَ ، وللذي قال من ذلك وجه . غير أن الصواب عندنا : أن تحمل الاَية على الظاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التسليم له ، وأن لا يحكم لحكم في آية بالنسخ إلا بخبر يقطع العذر ، أو حجة يجب التسليم لها ، ولم تثبت حجة في قوله : وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها أنه مراد به المشركون دون المسلمين ، ولا بأن هذه الاَية منسوخة ، فنسلم لها بأن ذلك كذلك .

وقوله : فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ على اللّهِ يقول جلّ ثناؤه : فمن عفا عمن أساء إليه إساءته إليه ، فغفرها له ، ولم يعاقبه بها ، وهو على عقوبته عليها قادر ابتغاء وجه الله ، فأجر عفوه ذلك على الله ، والله مثيبه عليه ثوابه إنّهُ لا يُحِبّ الظّالِمِينَ يقول : إن الله لا يحبّ أهل الظلم الذين يتعدّون على الناس ، فيسيئون إليهم بغير ما أذن الله لهم فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

وقوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة } قال الزجاج : سمى العقوبة باسم الذنب .

قال القاضي أبو محمد : وهذا إذا أخذنا السيئة في حق الله تعالى بمعنى المعصية ، وذلك أن المجازاة من الله تعالى ليست سيئة إلا بأن سميت باسم موجبتها ، وأما إن أخذنا السيئة بمعنى المعصية{[10163]} في حق البشر ، أي يسوء هذا هذا ويسوء الآخر ، فلسنا نحتاج إلى أن نقول سمى العقوبة باسم الذنب ، بل الفعل الأول والآخر { سيئة } وقال ابن أبي نجيح والسدي معنى الآية : أن الرجل إذا شتم بشتمة فله أن يردها بعينها دون أن يتعدى .

قال الحسن بن أبي الحسن : ما لم يكن حداً أو عوراء جداً .


[10163]:في بعض النسخ: "بمعنى المعصية"، ولا معنى لها هنا.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وجزاء سيئة سيئة مثلها} أن يقتص منه المجروح كما أساء إليه ولا يزيد شيئا.

{فمن عفا}، يعني فمن ترك الجارح ولم يقتص.

{وأصلح} العمل كان العفو من الأعمال الصالحة.

{فأجره على الله}، قال: جزاؤه على الله.

{إنه لا يحب الظالمين} يعني من بدأ بالظلم والجراءة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها" وقد بيّنا فيما مضى معنى ذلك، وأن معناه: وجزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه الله عليه، فهي وإن كانت عقوبة من الله أوجبها عليه، فهي مَساءة له. والسيئة: إنما هي الفعلة من السوء، وذلك نظير قول الله عزّ وجلّ: "وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاّ مِثْلَها "وقد قيل: إن معنى ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها...

وقوله: "فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ على اللّهِ" يقول جلّ ثناؤه: فمن عفا عمن أساء إليه إساءته إليه، فغفرها له، ولم يعاقبه بها، وهو على عقوبته عليها قادر ابتغاء وجه الله، فأجر عفوه ذلك على الله، والله مثيبه عليه ثوابه. "إنّهُ لا يُحِبّ الظّالِمِينَ" يقول: إن الله لا يحبّ أهل الظلم الذين يتعدّون على الناس، فيسيئون إليهم بغير ما أذن الله لهم فيه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها} سمّى الثانية سيئة، وإن لم تكن في الحقيقة سيئة؛ لأنها جزاء السيئة، فسماها باسم الأولى، أو سمّاها سيئة لأنه لو لم تكن الأولى كانت السيئة ثانيا أيضا، فسماها على ما هو في نفسها من باب الإضرار والضرر سيئة في نفسه، وإن كان حسنا لغيره، والله أعلم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{فَمَنْ عفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}: مَنْ عفا عن الجاني، وأصلح ما بينه وبين الله -أَصْلَحَ اللَّهُ ما بينه وبين الناسِ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما قال: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيدا بالمثل فإن النقصان حيف والزيادة ظلم والتساوي هو العدل وبه قامت السموات والأرض، فلهذا السبب قال: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الإذن في الانتصار في هذا السياق المادح مرغباً فيه مع ما للنفس من الداعية إليه، زجر عنه لمن كان له قلب أولاً بكفها عن الاسترسال فيه وردها على حد المماثلة، وثانياً بتسميته سيئة وإن كان على طريق المشاكلة، وثالثاً بالندب إلى العفو، فصار المحمود منه إنما هو ما كان لإعلاء كلمة الله لا شائبة فيه للنفس أصلاً فقال: {وجزاء سيئة} أي أي سيئة كانت {سيئة مثلها} أي لا تزيد عليها في عين ولا معنى أصلاً، وقد كفلت هذه الجمل بالدعاء إلى أمهات الفضائل الثلاث العلم والعفة والشجاعة على أحسن الوجوه، فالمدح بالاستجابة والصلاة دعاء إلى العلم، وبالنفقة إلى العفة، وبالانتصار إلى الشجاعة، حتى لا يظن ظان أن إذعانهم لما مضى مجرد ذل،

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)..

فهذا هو الأصل في الجزاء. مقابلة السيئة بالسيئة، كي لا يتبجح الشر ويطغى، حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن!

ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد وهو استثناء من تلك القاعدة. والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة. فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء. فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجيء ضعفا يخجل ويستحيي، ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى. والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو. فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا. ولا كذلك عند الضعف والعجز. وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز. فليس له ثمة وجود. وهو شر يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه، وينشر في الأرض الفساد!

(إنه لا يحب الظالمين)..

وهذا توكيد للقاعدة الأولى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) من ناحية. وإيحاء بالوقوف عند رد المساءة أو العفو عنها. وعدم تجاوز الحد في الاعتداء، من ناحية أخرى.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه جمل ثلاث مُعترضة الواحدة تلو الأخرى بين جملة {والذين إذا أصابهم البغي} [الشورى: 39] الخ وجملة {ولَمَن انتصر بعد ظلمه} [الشورى: 41]. وفائدة هذا الاعتراض تحديد الانتصار والترغيب في العفو ثم ذم الظلم والاعتداء، وهذا انتقال من الإذن في الانتصار من أعداء الدين إلى تحديد إجرائه بين الأمة بقرينة تفريع فمن عفا وأصلح} على جملة {وجزاء سيئة سيئة مثلها} إذ سمى ترك الانتصار عفواً وإصلاحاً ولا عفو ولا إصلاح مع أهل الشرك.

وبقرينة الوعد بأجر من الله على ذلك العفو ولا يكون على الإصلاح مع أهل الشرك أجر.

و {سيئة} صفة لمحذوف، أي فعلة تسوء من عومل بها. ووزن {سيئة} فَيْعِلة مبالغة في الوصف مِثل: هيّنة، فعينها ياء ولامها همزة، لأنها من ساء، فلما صيغ منها وزن فَيْعِلَة التقت يَاءَانِ فأدغمَتا، أي أن المُجازي يجازي من فَعَل معه فَعلةً تسوءه بفعلة سيئة مثل فعلتِه في السوء وليس المراد بالسيئة هنا المعصية التي لا يرضاها الله، فلا إشكال في إطلاق السيئة على الأذَى الذي يُلحق بالظالم.

ومعنى {مثلها} أنها تكون بمقدارها في متعارف الناس، فقد تكون المماثلة في الغرض والصورة وهي المماثلة التامة وتلك حقيقةُ المماثلة مثل القصاص من القاتل ظلماً بمثل ما قَتَل به، ومن المعتدي بجراح عمد، وقد تتعذر المماثلة التامة فيصار إلى المشابهة في الغرض، أي مقدار الضرّ وتلك هي المقاربة مثل تعذر المشابهة التامة في جزاء الحروب مع عدوّ الدين.