قوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( 40 ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( 41 ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 42 ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } .
شرع الله القصاص لعباده وهو عدل . فمن وقع عليه اعتداء مُتَعَمَّد من غيره ، كان للمعتدى عليه أن يقتص من الجاني بمثل جنايته لا أنْقَص ولا أزْيَد . وقد نَدَب الله لفعل ما هو أفضل وهو العفو والصفح عن مساءات المسيئين . وبذلك فإن الفضل خير وأحب إلى الله من العدل . فالفضل وهو العفو مندوب إليه شرعا ، وبذلك فإن فاعله مأجور . أما الاقتصاص من أجل التشفي والانتقام للنفس من المعتدي فهو في حق المعتدى عليه مباح . والمباح قسم من أقسام الحكم لا يؤجر فاعله ولا يأثم تاركه . وعلى هذا يجدر القول إن العفو عن المسيء خير وأفضل من أخذ الحق منه بالانتقام . وهو قوله سبحانه : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } فيكتب الله الأجر وحسن المثوبة للعافين عن المسيئين إليهم ، شريطة أن يكون عفوهم عن مقدرة ، وهو أنهم قادرون على الانتقام .
وذلك يكشف عن حقيقة ساطعة ظاهرة وهي أن شريعة الإسلام أكمل الشرائع كافة ؛ فهي الشريعة المثلى التي تناسب البشر على اختلاف طبائعهم وتفاوت أهوائهم وفِطَرِهم . لا جرم أن هذه سمة هامة من سمات الصلوح في الإسلام ؛ أي صلوحه للإنسانية في كل زمان ومكان . وقد بينا فيما مضى أن الشرائع والملل السابقة كانت تتأرجح بين الإفراط والتفريط ، أو بين المغالاة والتنطُّع بعيدا عن ظاهرة الوسط الذي تصلح عليه البشرية على الدوام . فتلكم شرائع بني إسرائيل لا تُقرُّ العفو عن الجاني بل توجب القصاص دون غيره ، خلافا لأناجيل النصارى الأربعة فإنها توجب العفو وحده وتأبى لمقلديها أن يقتصوا من الظالمين المعتدين . وكِلا السبيلين مخالف للسداد والاعتدال ؛ فإن التشريع السديد هو الذي يأخذ في الاعتبار طبائع الناس جميعا . وهي طبائع كثيرة ومختلفة ومتفاوتة . فمن الناس من يجنح للاقتصاص والانتقام وإشفاء الغليل عقب الاعتداء عليه . وذلك حق . ومنهم من يجنح للصفح والإحسان مترفعا عن شهوة الانتقام ، فله ذلك وهو عند الله خير وأفضل .
قوله : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } أي المعتدين المبتدئين بالسيئة . فإنه ليس المبتدئ بالظلم والعدوان بمحمود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.