الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

ثم قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } أي : وجزاء سيئة المسيء عقوبته على ما أوجبه الله عليه .

ولهذه الآية ونظيرها أجاز الشافعي وأهل الرأي أن يأخذ الرجل من مال من خانه ( مثل ما خانه به {[61016]} من ) غير رأيه {[61017]} .

واستدلوا على صحة ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند {[61018]} زوج أبي سفيان {[61019]} : " خذي من ماله ما يكفيك وولدك " {[61020]} .

وأجاز لها أن تأخذ من ماله ما يجب لها من غير رأيه {[61021]} .

ولم يجز ذلك مالك إلا بعلمه .

وسميت الثانية ( سيئة ) وليس الذي ( يعملها مسيئا ) {[61022]} لأنها مجازاة على الأول . فسميت باسمها وليست {[61023]} بها .

وروي أن ذلك : أن يجاب القائل الكلمة القذعة {[61024]} بمثلها .

وقال ابن أبي نجيح {[61025]} : هو مثل أن يقول القائل : أخزاه الله ، فيقول له المجيب مثل ذلك {[61026]} .

وقال السدي : إذا شتمك فاشتمه بمثل ما شتمك من غير أن تعدي {[61027]} {[61028]} .

قال ابن زيد : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } ، يعني : من المشركين ، ثم قال : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } قال : معناه : ليس آمركم أن تعفوا عنهم لأني لا أحبهم {[61029]} ، أي : لا أحب الظالمين ، يعني : المشركين ، فمن فعل فالله يثيبه على ما آذاه {[61030]} به {[61031]} المشركون ، قال : ثم نسخ هذا كله ، وأمر بالجهاد {[61032]} .

والآية على القول الأول محكمة عامة ، مثل قوله : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } {[61033]} .

والمعنى : فمن عفا عمن أساء إليه فغفر له ابتغاء وجه الله سبحانه وهو قادر على العقوبة فالله مثيبه .

ويكون معنى قوله : { إنه لا يحب الظالمين } على هذا {[61034]} القول ، أي : إنه لا يحب من يتعدى على الناس فيسيء إليهم بغير إذن الله عز وجل له .


[61016]:في طرة (ت).
[61017]:(ح): رؤية. قال بهذا الحكم مقاتل وهشام بن حجير والشافعي وأبو حنيفة وسفيان. وهي رواية في مذهب مالك، وقالت طائفة من أصحاب مالك ليس ذلك له، وأمور القصاص وقف على الحكام وقال القرطبي: (والصحيح جواز ذلك كيف ما توصل إلى أخذ حقه ما لم يعد سارقا). انظر تفصيل ذلك في جامع القرطبي 2/355 و16/40.
[61018]:هي هند بنت عتبة بن ربيعة القرشية، أم معاوية رضي الله عنه، أسلمت عام الفتح، وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – سنة 14 هـ. انظر طبقات ابن سعد 8/230، والروض الأنف 4/114، وأسد الغابة 6/292، والإصابة 4/425 ت 1103.
[61019]:هو صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان والد معاوية، أسلم يوم الفتح، واختلف في سنة وفاته بين 31 و 34 هـ انظر الاستيعاب 2/714 ت 1206، والإصابة 2/178 ت 4046.
[61020]:أخرجه البخاري في كتبا البيوع 34 باب 95 ج 2211، ومسلم في كتاب الأقضية باب قضية هند ح 1 ج 3/1338، وأبو داود في كتاب البيوع باب 81 ح 3533، والنسائي في كتاب النكاح باب وجوب نفقة الرجل على أهله ج 2/159، والبيهقي في كتاب النفقات باب وجوب النفقة للزوجة ج 7/466، وكتاب جماع أبواب النفقة على الأقارب باب النفقة على الأولاد ج 7/477، وكتاب أداب القاضي باب أجاز القضاء على الغائب ج 10/141، وكتاب الدعوى والبينات باب أخد الرجل حقه ممن يمنعه إياه ج 10/720، وأحمد في مسنده 6/39 و50 و206، والحميدي في مسنده ج 1/118 ح 242.
[61021]:(ح): جائز.
[61022]:(ح): يعلمها مسيء.
[61023]:(ت): ليست.
[61024]:(ح): القدعة. وفي اللسان: أقذع القول إساءة.. والقذع الفحش من الكلام الذي يقبح ذكره) (مادة. قذع).
[61025]:هو عبد الله بن أبي نجيح واسم أبيه يسار المكي الثقفي مولاهم، يقة، رمي بالقدر، وربما دلس. توفي سنة 131 هـ أو بعدها. انظر تقريب التهذيب 1/456 ت690.
[61026]:انظر جامع البيان 25/24، والمحرر الوجيز 14/230.
[61027]:كذا في (ت) و(ح). وهي في جامع البيان: تعتدي.
[61028]:انظر جامع البيان 25/24.
[61029]:(ت): (أحبهم).
[61030]:(ت): ما أراده.
[61031]:فوق السطر في (ت).
[61032]:انظر جامع البيان 25/24، وجامع القرطبي 16/42.
[61033]:البقرة آية 193. وانظر جامع البيان 25/24، ونواسخ ابن الجوزي 221.
[61034]:(ح): أحد.