تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

36

المفردات :

سيئة : الخطيئة والذنب .

سيئة مثلها : سميت مقابلة السيئة سيئة ؛ لمشابهتها لها في الصورة .

عفا : صفح عمن أساء إليه .

فأجره على الله : فثوابه على الله .

لا يحب الظالمين : يكره ويبغض المعتدين .

التفسير :

40- { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين } .

هذا هو الحكم الشرعي ، عقوبة السيئ بما شرعه الله من عقوبة مماثلة لجرمه ، وسمى الجزاء سيئة لأنها تسوء من تنزل به ، أو مماثلة لما قبلها ، وهذا القصاص عدل .

قال تعالى : { والجروح قصاص . . . } ( المائدة : 45 ) . وقال سبحانه : { ولكم في القصاص حياة . . . } ( البقرة : 179 ) .

وقال سبحانه : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . . . } ( البقرة : 194 ) .

وقال سبحانه : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } . ( النحل : 126 ) .

ومن ذلك ترى وسطية القرآن ، وحسن تشريعه ، فقد شرع العقوبة ردعا للفساق والمتجبرين والمستهترين ، ثم شرع العفو والصفح للنادمين والمخطئين الذي تابوا من خطئهم ، فقال سبحانه : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . } أي : من عفا عمن أساء إليه وأصلح ما بينه وبين المسيء أو المعتدي فقد أحسن في الدنيا ، وثوابه عظيم عند الله يوم القيامة ، وفي الحديث الشريف : ( ما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا )18 رواه أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وفي الأثر : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل الله تعالى : من كان أجره على الله فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا ، فذلك قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . }

وقد وصف الله المتقين بقوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } . ( آل عمران : 134 ) .

{ إنه لا يحب الظالمين } .

أي : إنه تعالى لا يحب المبتدئين بالظلم ، ولا يحب من يتعدى في الاقتصاص ، ويجاوز الحد فيه ، لأن المجاوزة ظلم ، والمراد أنه تعالى يعاقب المتجاوز حده ، وهذا تأكيد لمطلع الآية في اشتراط المماثلة نوعا ومقدارا .

/خ43