البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

{ وجزاء سيئة سيئة مثلها } : هذا بيان للانتصار ، أي لا يتعدى فيما يجازي به من بغى عليه .

قال ابن أبي نجيح ، والسدي : إذا شتم ، فله أن يرد مثل ما شتم به دون أن يتعدى ، وسمى القصاص سيئة على سبيل المقابلة ، أو لأنها تسوء من اقتص منه ، كما ساءت الحيض .

وظاهر قوله : مثلها المماثلة مطلقاً في كل الأحوال ، لا فيما خصه الدليل .

والفقهاء أدخلوا التخصيص في صور كثيرة بناء على القياس .

قال مجاهد ، والسدي : إذا قال له أخزاك الله فليقل أخزاك الله ، وإذا قذفه قذفاً يوجب الحد ، بل الحد الذي أمره الله به .

{ فمن عفا وأصلح } : أي بينه وبين خصمه بالعفو ، { فأجره على الله } : عدة مبهمة لا يقاس عظمها ، إذ هي على الله .

{ إنه لا يحب الظالمين } : أي الخائنين ، وإذا كان لا يحبه وقد ندب إلى العفو عنه ، فالعفو الذي يحبه الله أولى أن يعفي عنه ، أو لا يحب الظالمين من تجاوز واعتدى من المجني عليهم ، إذا انتصروا خصوصاً في حالة الحرب والتهاب الحمية ، فربما يظلم وهو لا يشعر .

وفي الحديث : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له أجر على الله فليقم ، قال : فيقوم خلق ، فيقال لهم : ما أجركم على الله ؟ فيقولون : نحن عفونا عمن ظلمنا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة بإذن الله »