24- وحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء عامة ، حرائر وغير حرائر ، إلا من سبيتم وملكتم منهن في حرب بينكم وبين الكفار ، فإن نكاحهن السابق ينفسخ بالسبي ، فيصرن حلالا لكم بعد استبراء أرحامهن ، فالزموا ما كتب الله عليكم في تحريم ما حرم ، ولكم فيما عدا هؤلاء المؤمنات المحرمات أن تطلبوا بأموالكم نساء تتزوجون بهن ، لا تقصدون الزنا أو المخادنة ، فأي نساء استمتعتم بهن بعد الزواج منهن أحل الله لكم الدخول بهن فوفُّوهن مهورهن التي قدَّرتم لهن حقاً عليكم لا تسامح فيه تؤدونه في موعد ، ولا حرج عليكم فيما تم بينكم عن تراض من تنازل زوجة عن بعض مهرها أو زيادة زوج فيه ، إن الله كان ولم يزل مُطَّلِعاً على شئون العباد ، مُدَبِّراً لهم في أحكام ما يصلح به أمرهم .
{ وَ } من المحرمات في النكاح { الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } أي : ذوات الأزواج . فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها . { إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي : بالسبي ، فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد أن تستبرأ . وأما إذا بيعت الأمة المزوجة أو وهبت فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني نزل منزلة الأول ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : { كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي : الزموه واهتدوا به فإن فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام .
ودخل في قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } كلُّ ما لم يذكر في هذه الآية ، فإنه حلال طيب . فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر لطفًا من الله ورحمة وتيسيرًا للعباد .
وقوله : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } أي : تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم { مُحْصِنِينَ } أي : مستعفين عن الزنا ، ومعفين نساءكم .
{ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } والسفح : سفح الماء في الحلال والحرام ، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته . وفيها دلالة على أنه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } . { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أي : ممن تزوجتموها { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : الأجور في مقابلة الاستمتاع . ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها { فَرِيضَةً } أي : إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه الله عليكم ، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء أمضاه وإن شاء رده . أو معنى قوله فريضة : أي : مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم ، فلا تنقصوا منها شيئًا .
{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } أي : بزيادة من الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس [ هذا قول كثير من المفسرين ، وقال كثير منهم : إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول الإسلام ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها ، ثم إذا انقضى الأمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما ، والله أعلم ]{[205]} .
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : كامل العلم واسعه ، كامل الحكمة : فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام .
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلّ لَكُمْ مّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : حرّمت عليكم المحصنات من النساء ، إلا ما ملكت أيمانكم .
واختلف أهل التأويل في المحصنات التي عناهنّ الله في هذه الاَية ، فقال بعضهم : هن ذوات الأزواج غير المسبيات منهنّ . وملكُ اليمين : السبايا اللواتي فرّق بينهنّ وبين أزواجهنّ السباء ، فحللن لمن صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها الحربيّ لها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كل ذات زوج إتيانها زنا ، إلا ما سَبَيْتَ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكْتَ أيمَانُكُمْ } يقول : كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب ، فهي لك حلال إذا استبرأتها .
وحدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد ، عن أبي قلابة في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ } قال : ما سبيتم من النساء ، إذا سَبَيْتَ المرأة ولها زوج في قومها ، فلا بأس أن تطأها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : كل امرأة محصنة لها زوج فهي محرمة إلا ما ملكت يمينك من السبي وهي محصنة لها زوج ، فلا تحرم عليك به . قال : كان أبي يقول ذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي ، قال : حدثنا سعيد ، عن مكحول في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : السبايا .
واعتلّ قائلوا هذه المقالة بالأخبار التي رُويت أن هذه الاَية نزلت فيمن سُبي من أَوْطاس . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدريّ : أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس ، فلقوا عدوا ، فأصابوا سبايا لهنّ أزواج من المشركين ، فكان المسلمون يتأثّمون من غشيانهنّ ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الاَية : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ } أي هنّ حلال لكم إذا ما انقضت عِدَدُهن .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل : أن أبا علقمة الهاشمي حدّث ، أن أبا سعيد الخدريّ حدّث : أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية ، فأصابوا حيّا من أحياء العرب يوم أوطاس ، فهزموهم وأصابوا لهم سبايا ، فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثمون من غشيانهن من أجل أزواجهنّ ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ منهنّ ، فحلال لكم ذلك .
حدثني عليّ بن سعيد الكناني ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن أشعث بن سوار ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما سبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس ، قلنا : يا رسول الله ، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهنّ ؟ قال : فنزلت هذه الاَية : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري ، قال : أصبنا نساء من سبي أوطاس لهنّ أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهنّ ولهن أزواج ، فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { والمُحْصّناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } فاستحللنا فروجهنّ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أبي الخليل عن أبي سعيد ، قال : نزلت في يوم أوطاس ، أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك ، فقال : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } يقول : إلا ما أفاء الله عليكم ، قال : فاستحللنا بها فروجهنّ .
وقال آخرون ممن قال : «المحصنات ذوات الأزواج في هذا الموضع » . بل هنّ كل ذات زوج من النساء حرام على غير أزواجهنّ ، إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشتر من مولاها فتحلّ لمشتريها ، ويُبطل بيع سيدها إياها النكاحَ بينها وبين زوجها . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : كل ذات زوج عليك حرام إلا أن تشتريها ، أو ما ملكت يمينك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة عن إبراهيم : أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ، قال : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ، ويتلو هذه الاَية : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : كل ذات زوج عليك حرام ، إلا ما اشتريت بمالك¹ وكان يقول : بيع الأمة : طلاقها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } قال : هنّ ذوات الأزواج حرم الله نكاحهنّ إلا ما ملكت يمينك ، فبيعها طلاقها . قال معمر : وقال الحسن مثل ذلك .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : إذا كان لها زوج فبيعها طلاقها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أن أبيّ بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك قالوا : بيعها طلاقها .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أن أبيّ بن كعب وجابرا وابن عباس ، قالوا : بيعها طلاقها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : بيع الأمة طلاقها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ومغيرة والأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : بيع الأمة طلاقها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمّل ، قال : حدثنا سعيد ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله . مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله مثله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : طلاق الأمة ستّ : بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها .
حدثني أحمد بن المغيرة الحمصي . قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن عيسى بن أبي إسحاق ، عن أشعث ، عن الحسن ، عن أبيّ بن كعب : أنه قال : بيع الأمة طلاقها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بيع الأمة طلاقها ، وبيعه طلاقها .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا خالد ، عن أبي قلابة ، قال : قال عبد الله : مشتريها أحقّ ببُضْعِها . يعني : الأمة تباع ولها زوج .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، قال : طلاق الأمة بيعها .
حدثنا حميد ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن أن أبيّا ، قال : بيعها طلاقها .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود ، قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحقّ بُبْضعها .
حدثنا حميد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنى سعيد ، عن قتادة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : بيعها طلاقها . قال : فقيل لإبراهيم : فبيعه ؟ قال : ذلك ما لا نقول فيه شيئا .
وقال آخرون : بل معنى المحصنات في هذا الموضع : العفائف . قالوا : وتأويل الاَية : والعفائف من النساء حرام أيضا عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم منهنّ بنكاح وصداق وسنة وشهود من واحدة إلى أربع . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن أبي جعفر ، عن أبي العالية ، قال : يقول : انكحوا ما طاب لكم من النساء : مثَنى ، وثلاثَ ، ورباع ، ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ، ثم قال : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : فرجع إلى أوّل السورة إلى أربع ، فقال : هنّ حرام أيضا ، ألا بصداق وسنّة وشهود .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عن عبيدة ، قال : أحلّ الله لك أربعا في أوّل السورة ، وحرّم نكاح كلّ محصنة بعد الأربع ، إلا ما ملكت يمينك . قال معمر : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه : إلا ما ملكت يمينك ، قال : فزوجك مما ملكت يمينك ، يقول : حرّم الله الزنا ، لا يحلّ لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك .
حدثني عليّ بن مسروق الكندي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، قال : سألت عبيدة عن قول الله تعالى : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : أربع .
حدثني عليّ بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : الأربع ، فمابعدهنّ حرام .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عنها ، فقال : حرّم الله ذوات القرابة ، ثم قال : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } يقول : حرّم ما فوق الأربع منهنّ .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } قال : الخامسة حرام كحرمة الأمهات والأخوات .
ذكر من قال : عَنَى بالمحصنات في هذا الموضع العفائفَ من المسلمين وأهل الكتاب :
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( والمُحْصَناتُ ) قال : العفيفة العاقلة من مسلمة ، أو من أهل الكتاب .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن بعض أصحابه ، عن مجاهد : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : العفائف .
وقال آخرون : المحصنات في هذا الموضع ذوات الأزواج ، غير أن الذي حرم الله منهن في هذه الاَية الزنا بهن ، وأباحهن بقوله : { إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } بالنكاح أو الملك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : { والمُحْصَناتُ } قال : نهى عن الزنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } قال : نهى عن الزنا أن تنكح المرأة زوجين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : كل ذات زوج عليكم حرام ، إلا الأربع اللاتي ينكحن بالبينة والمهر .
حدثنا أحمد بن عثمان ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : أنه سئل عن المُحصنات من النساء ، قال : هن ذوات الأزواج .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين . وقال علي : ذوات الأزواج من المشركين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } قال : كل ذات زوج عليكم حرام .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد الكريم ، عن مكحول ، نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن الصلب بن بهرام ، عن إبراهيم ، نحوه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } . . . إلى : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } يعني : ذوات الإزواج من النساء لا يحل نكاحهن ، يقول : لا يخلب ولا يعد فتنشُز على زوجها ، وكل امرأة لا تنكح إلا ببينة ومهر فهي من المحصنات التي حرم الله إلا ما ملكت أيمانكم ، يعني : التي أحل الله من النساء ، وهو ما أحل من حرائر النساء مثنى وثلاث ورباع .
وقال آخرون : بل هن نساء أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عيسى بن عبيد ، عن أيوب بن أبي العوجاء عن أبي مجلز في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال : نساء أهل الكتاب .
وقال آخرون : بل هن الحرائر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنى حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا سليمان بن عرعرة ، في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } قال : الحرائر .
وقال آخرون : المحصنات : هن العفائف وذوات الأزواج ، وحرام كل من الصنفين إلا بنكاح أو ملك يمين . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى الليث ، قال : ثنى عقيل ، عن ابن شهاب ، وسئل عن قول الله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } . . . الاَية ، قال : نرى أنه حرم في هذه الاَية المحصنات من النساء ذوات الأزواج أن ينكحن مع أزواجهن والمحصنات : العفائف ولا يحللن إلا بنكاح ، أو ملك يمين . والإحصان إحصانان : إحصان تزويج ، وإحصان عفاف في الحرائر والمملوكات ، كل ذلك حرّم الله ، إلا بنكاح أو ملك يمين .
وقال آخرون : نزلت هذه الاَية في نساءكنّ يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهنّ أزواج ، فيتزوّجهن بعض المسلمين ، ثم يقدم أزواجهنّ مهاجرين ، فنهي المسلمون عن نكاحهن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، قال : ثنى حبيب بن أبي ثابت عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان النساء يأتينا ثم يهاجر أزواجهنّ فمنعناهنّ¹ يعني قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } .
وقد ذكر ابن عباس وجماعة غيره أنه كان ملتبسا عليهم تأويل ذلك .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : قال رجل لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الاَية : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } فلم يقل فيها شيئا ؟ قال : فقال : كان لا يعلمها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن مجاهد ، قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الاَية لضربت إليه أكباد الإبل ، قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } . . . إلى قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } . . . إلى آخر الاَية .
قال أبو جعفر : فأما المحصنات فإنهنّ جمع محصنة ، وهي التي قد منع فرجها بزوج ، يقال منه : أحصن الرجل امرأته فهو يُحْصِنها إحصانا وحَصُنَتْ هي فهي تَحْصُنُ حَصَانَةً : إذا عفّت ، وهي حاصن من النساء : عفيفة ، كما قال العجاج :
وحاصِنٍ مِنْ حاصِنَاتٍ مُلْسِ ***عَنِ الأذَى وَعَنْ قِرَافِ الوَقْسِ
ويقال أيضا إذا هي عفت وحفظت فرجها من الفجور : قد أحصنت فرجها فيه محصنة ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَها } بمعنى : حفظته من الريبة ومنعته من الفجور . وإنما قيل لحصون المدائن والقرى حصون لمنعها من أرادها وأهلها ، وحفظها ما وراءها ممن بغاها من أعدائها ، ولذلك قيل للدرع درع حصينة . فإذا كان أصل الإحصان ما ذكرنا من المنع والحفظ فبين أن معنى قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } : والممنوعات من النساء حرام عليكم { إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } . وإذ كان ذلك معناه ، وكان الإحصان قد يكون بالحرية ، كما قال جل ثناؤه : { والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } ويكون بالإسلام ، كما قال تعالى ذكره : { فإذَا أُحْصِنّ فإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ ما على المُحْصَناتِ مِنَ العَذَابِ } ويكون بالعفة كما قال جل ثناؤه : { وَالّذِينَ يَرْمُون المُحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } ويكون بالزوج¹ ولم يكن تبارك وتعالى خصّ محصنة دون محصنة في قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } فواجب أن يكون كل محصنة بأي معاني الإحصان كان إحصانها حراما علينا سفاحا أو نكاحا ، إلا ما ملكته أيماننا منهن بشراء ، كما أباحه لنا كتاب الله جل ثناؤه ، أو نكاح على ما أطلقه لنا تنزيل الله . فالذي أباحه تبارك وتعالى لنا نكاحا من الحرائر الأربع سوى اللواتي حرمن علينا بالنسب والصهر ، ومن الإماء ما سبينا من العدو سوى اللواتي وافق معناهن معنى ما حرم علينا من الحرائر بالنسب والصهر ، فإنهن والحرائر فيما يحل ويحرم بذلك المعنى متفقات المعاني ، وسوى اللواتي سبيناهن من أهل الكتابين ولهن أزواج ، فإن السباء يحلهن لمن سباهن بعد الاستبراء ، وبعد إخراج حق الله تبارك وتعالى الذي جعله لأهل الخمس منهن . فأما السّفاح فإن الله تبارك وتعالى حرمه من جميعهن ، فلم يحلّه من حرّة ولا أمة ولا مسلمة ولا كافرة مشركة . وأما الأمة التي لها زوج فإنها لا تحل لمالكها إلا بعد طلاق زوجها إياها ، أو وفاته وانقضاء عدتها منه ، فأما بيع سيدها إياها فغير موجب بينها وبين زوجها فراقا ولا تحليلاً لمشتريها ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنه خير بريرة إذ أعتقتها عائشة بين المقام مع زوجها الذي كان سادتها زوّجوها منه في حال رقها ، وبين فراقه » ولم يجعل صلى الله عليه وسلم عتق عائشة إياها طلاقا . ولو كان عتقها وزوال ملك عائشة إياها لها طلاقا لم يكن لتخيير النبيّ صلى الله عليه وسلم إياها بين المقام مع زوجها والفراق معنى ، ولوجب بالعتق الفراق ، وبزوال ملك عائشة عنها الطلاق¹ فلما خيرها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الذي ذكرنا وبين المقام مع زوجها والفراق كان معلوما أنه لم يخير بين ذلك إلا والنكاح عقده ثابت ، كما كان قبل زوال ملك عائشة عنها ، فكان نظيرا للعتق الذي هو زوال ملك مالك المملوكة ذات الزوج عنها البيع الذي هو زوال ملك مالكها عنها ، إذ كان أحدهما زوالاً ببيع والاَخر بعتق في أن الفرقة لا يجب بها بينها وبين زوجها بهما ولا بواحد منهما طلاق وإن اختلفا في معان أخر ، من أن لها في العتق الخيار في المقام مع زوجها والفراق ، لعلة مفارقة معنى البيع ، وليس ذلك لها في البيع .
فإن قال قائل : وكيف يكون معنيا بالاستثناء من قوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } ما وراء الأربع من الخمس إلى ما فوقهنّ بالنكاح والمنكوحات به غير مملوكات ؟ قيل له : إن الله تعالى لم يخصّ بقوله : { إلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } المملوكات الرقاب دون المملوك عليها بعقد النكاح أمرها ، بل عمّ بقوله : { إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } كلا المعنيين ، أعني ملك الرقبة وملك الاستمتاع بالنكاح ، لأن جميع ذلك ملكته أيماننا ، أما هذه فملك استمتاع ، وأما هذه فملك استخدام واستمتاع وتصريف فيما أبيح لمالكها منها . ومن ادعى أن الله تبارك وتعالى عني بقوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } محصنة وغير محصنة ، سوى من ذكرنا أولاً بالاستثناء بقوله : { إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُم } بَعْضَ أملاك أيماننا دون بعض ، غير الذي دللنا على أنه غير معني به ، سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير ، فلن يقول في ذلك قولاً إلا ألزم في الاَخر مثله . فإن اعتل معتل منكم بحديث أبي سعيد الخدري أن هذه الاَية نزلت في سبايا أوطاس ، قيل له : إن سبايا أوطاس لم يوطأن بالملك والسباء دون الإسلام ، وذلك أنهن كن مشركات من عبدة الأوثان ، وقد قامت الحجة بأن نساء عبدة الأوثان لا يحللن بالملك دون الإسلام ، وأنهن إذا أسلمن فرق الإسلام بينهنّ وبين الأزواج ، سبايا كنّ أو مهاجرات ، غير أنهّ إذا كنّ سبايا حللن إذا هن أسلمن بالاستبراء . فلا حجة لمحتج في أن المحصنات اللاتي عناهن بقوله : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ } ذوات الأزواج من السبايا دون غيرهن بخبر أبي سعيد الخدري أن ذلك نزل في سبايا أوطاس¹ لأنه وإن كان فيهن نزل ، فلم ينزل في إباحة وطئهن بالسباء خاصة دون غيره من المعاني التي ذكرنا ، مع أن الاَية تنزل في معنى فتعمّ ما نزلت به فيه وغيره ، فيلزم حكمها جميع ما عمته لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا «كتاب البيان عن أصول الأحكام » .
القول في تأويل قوله تعالى : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } .
يعني تعالى ذكره : كتابا من الله عليكم . فأخرج الكتاب مُصَدّرا من غير لفظه . وإنما جاز ذلك لأن قوله تعالى : { حُرّمَتْ عَلَيْكُم أُمّهاتُكُمْ } . . . إلى قوله : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } بمعنى : كتب الله تحريم ما حرم من ذلك وتحليل ما حلل من ذلك عليكم كتابا .
وبما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } قال : ما حرم عليكم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عنها فقال : { كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } قال : هو الذي كتب عليكم الأربع أن لا تزيدوا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، قال : قلت لعبيدة : { والمُحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } وأشار ابن عون بأصابعه الأربع .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين ، قال : سألت عبيدة ، عن قوله : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } قال : أربع .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } : الأربع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } قال : هذا أمر الله عليكم ، قال : يريد ما حرم عليهم من هؤلاء وما أحلّ لهم . وقرأ : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أنْ تَبْتَغُوا بأمْوَالِكُمْ } . . . إلى آخر الاَية . قال : كتاب الله عليكم الذي كتبه ، وأمره الذي أمركم به . { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } : أَمْرَ الله .
وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله : { كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ } منصوب على وجه الإغراء ، بمعنى : عليكم كتابَ الله ، الزموا كتابَ الله . والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب ، وذلك أنه لا ( تكاد ) تنصب بالحرف الذي تغري به ، لا تكاد تقول : أخاك عليك وأباك دونك ، وإن كان جائزا . والذي هو أولى بكتاب الله أن يكون محمولاً على المعروف من لسان من نزل بلسانه هذا مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا ، وخلاف ما وجهه إليه من زعم أنه نصب على وجه الإغراء .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ أنْ تَبْتَغُوا بأمْوَالِكُمْ } .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأحلّ لكم ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وأُحِلّ لَكُم ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } : ما دون الأربع أن تبتغوا بأموالكم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلمانيّ : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } يعني : ما دون الأربع .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأحلّ لكم ما وراء ذلكم من سَمّى لكم تحريمه من أقاربكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عنها ، فقال : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } قال : ما وراءَ ذات القرابة ، { أن تَبْتَغُوا بأمْوالِكُمْ } . . . الاَية .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } : عدد ما أحل لكم من المحصنات من النساء الحرائر ومن الإماء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } قال : ما ملكت أيمانكم .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، ما نحن مبينوه¹ وهو أن الله جلّ ثناؤه بين لعباده المحرّمات بالنسب والصهر ، ثم المحرّمات من المحصنات من النساء ، ثم أخبرهم جلّ ثناؤه أنه قد أحلّ لهم ما عدا هؤلاء المحرّمات المبينات في هاتين الاَيتين أن نبتغيه بأموالنا نكاحا وملك يمين لا سفاحا .
فإن قال قائل : عرفنا المحللات اللواتي هنّ وراء المحرّمات بالأنساب والأصهار ، فما المحللات من المحصنات والمحرّمات منهنّ ؟ قيل : هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع على ما ذكرنا عن عبيدة والسديّ من الحرائر ، فأما ما عدا ذوات الأزواج فغير عدد محصور بملك اليمين .
وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن قوله : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاء ذَلِكُمْ } عامّ في كل محلّل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا ، فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهنّ بأولى من بعض ، إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها ، ولا حجة بأن ذلك كذلك .
واختلف القراء في قراءة قوله : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } فقرأ ذلك بعضهم : «وأَحَلّ لَكُمْ » بفتح الألف من أحلّ ، بمعنى : كتب الله عليكم وأحلّ لكم ما وراء ذلكم . وقرأه آخرون : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاء ذَلِكُم } اعتبارا بقوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمّهاتُكُمْ . . . وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاء ذَلِكُمْ } .
قال أبو جعفر : والذي نقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الإسلام غير مختلفتي المعنى ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب الحقّ .
وأما معنى قوله : { ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } فإنه يعني : ما عدا هؤلاء اللواتي حرمتهن عليكم أن تبتغوا بأموالكم ، يقول : أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم ، إما شراء بها وإما نكاحا بصداق معلوم ، كما قال جلّ ثناؤه : { ويكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ } يعني : بما عداه وبما سواه . وأما موضع «أن » من قوله : { أنْ تَبْتَغُوا بأمْوَالِكُمْ } فرفعٌ ترجمةً عن «ما » التي في قوله : { وأُحِلّ لَكُمْ ما وَرَاءَ ذَلِكُمْ } في قراءة من قرأ : { وأُحِلّ } بضم الألف . ونصبٌ على ذلك في قراءة من قرأ ذلك : «وأَحَلّ » بفتح الألف . وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين على معنى : وأحلّ لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا ، فلما حذفت اللام الخافضة اتصلت بالفعل قبلها فنصبت . وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض بهذا المعنى إذ كانت اللام في هذا الموضع معلوما أن بالكلام إليها الحاجة .
القول في تأويل قوله تعالى : { مُحْصِنِينَ غيْرَ مُسافِحِينَ } .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { مُحْصِنِينَ } أعفاء بابتغائكم ما وراء ما حرّم عليكم من النساء بأموالكم { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } يقول : غير مزانين . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله { مُحْصِنِينَ } قال : متناكحين . { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } قال : زانين بكل زانية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : { مُحْصِنِينَ } متناكحين . { غير مُسَافِحِينَ } السفاح : الزنا .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { مُحْصِنينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } يقول : محصنين غير زناة .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنّ فَآتُوهُنّ أجُورَهُنّ فَرِيضَةً } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } فقال بعضهم : معناه : فما نكحتم منهنّ فجامعتموهنّ ، يعني من النساء¹ { فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً } يعني : صدقاتهن فريضة معلومة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً } يقول : إذا تزوّج الرجل منكم ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله . والاستمتاع هو النكاح ، وهو قوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِحْلَةً } .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } قال : هو النكاح .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } : النكاح .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } قال : النكاح أراد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُوَرَهُنّ فَرِيضَة } . . . الاَية ، قال : هذا النكاح ، وما في القرآن الإنكاح إذا أخذتها واستمتعت بها ، فأعطها أجرها الصداق ، فإن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ فرض الله عليها العدة وفرض لها الميراث . قال : والاستمتاع هو النكاح ههنا إذا دخل بها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما تمتعتم به منهنّ بأجر تمتع اللذة ، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولىّ وشهود ومهر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجَلٍ مُسَمّى فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَريضَةِ » . فهذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى ، ويشهد شاهدين ، وينكح باذن وليها ، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برة ، وعليها أن تستبرىء ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } قال : يعني نكاح المتعة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، قال : حدثنا نصير بن أبي الأشعث ، قال : ثنى حبيب ابن أبي ثابت ، عن أبيه ، قال : أعطاني ابن عباس مصحفا ، فقال : هذا على قراءة أبيّ . قال أبو كريب ، قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير فيه : «فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمّى » .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن أبي نضرة ، قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء ، قال : أما تقرأ سورة النساء ؟ قال : قلت بلى . قال : فما تقرأ فيها : «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى » ؟ قلت : لا ، لو قرأتها هكذا ما سألتك ! قال : فإنها كذا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنى عبد الأعلى ، قال : ثنى داود ، عن أبي نضرة ، قال : سألت ابن عباس عن المتعة ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة ، قال : قرأت هذه الاَية على ابن عباس : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } قال ابن عباس : «إلى أجل مسمى » ، قال قلت : ما أقرؤها كذلك ! قال : والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمير : أن ابن عباس قرأ : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمّى » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة وثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن ابن عباس ، بنحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : في قراءة أبيّ بن كعب : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمى » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قاال : سألته عن هذه الاَية : { والمُحْصَنَاتُ مِن النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } إلى هذا الموضع : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ } أمنسوخة هي ؟ قال : لا . قال الحكم : قال عليّ رضي الله عنه : لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقّى .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عيسى بن عمر القارىء الأسديّ ، عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجَلٍ مُسَمّى فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ » .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله : فما نكحتموه منهنّ فجامعتموه فآتوهنّ أجورهنّ¹ لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله اصلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، قال : ثنى الربيع بن سبرة الجهنيّ ، عن أبيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النّساءِ » والاستمتاع عندنا يومئذٍ التزويج .
وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام في غير هذا الموضع من كتبنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وأما رُوي عن أبيّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما : «فَمَا اسْتَمْتَعُتُمْ بِهِ مِنْهُنّ إلى أجل مسمّى » فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين ، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوّز خلافه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما } .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : لا حرج عليكم أيها الإزواج إن أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهنّ فريضة فيما تراضيتم به ، من حطّ وبراءة ، بعد الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : زعم حضرميّ أن رجالاً كانوا يفرضون المهر ، ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة ، فقال الله : { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ } .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء واللواتي استمتعتم بهنّ إلى أجل مسمى ، إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهم في الفراق ، أن يزدنكم في الأجل وتزيدوا من الأجر والفريضة قبل أن يستبرئن أرحامهنّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ } إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى ، يعني : الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما ، فقال : أتمتع منك أيضا بكذا وكذا ، فازداد قبل أن يستبرىء رحمها ، ثم تنقضي المدة ، وهو قوله : { فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ } .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهم على استمتاعكم بهنّ من مقام وفراق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا جَناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ } والتراضي أن يوفيها صداقها ، ثم يخيرها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاتهنّ من بعد الفريضة . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَرِيضَةِ } قال : إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا حرج عليكم أيها الناس فيما تَراضيتم به أنتم ونساؤكم من عد إعطائهنّ أجورهنّ على النكاح الذي جرى بينكم وبينهنّ من حطّ ما وجب لهنّ عليكم ، أو إبراء أو تأخير ووضع . وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِحْلَةً فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئَا } . فأما الذي قاله السدي فقول لا معنى له الفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين .
وأما قوله : { إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حكِيما } فإنه يعني : إن الله كان ذا علم بما يصلحكم أيها الناس في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه بما يدبر لكم ولهم من التدبير ، وفيما يأمركم وينهاكم¹ لا يدخل حكمته خلل ولا زلل .
{ والمحصنات من النساء } ذوات الأزواج ، أحصنهن التزويج أو الأزواج . وقرأ الكسائي بكسر الصاد في جميع القرآن لأنهن أحصن فروجهن . { إلا ما ملكت أيمانكم } يريد ما ملكت أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار فهن حلال للسابين ، والنكاح مرتفع بالسبي لقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه : أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج كفار ، فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية فاستحللناهن . وإياه عنى الفرزدق بقوله :
وذات حليل أنكحتها رماحنا *** حلال لمن يبني بها لم تطلق
وقال أبو حنيفة لو سبي الزوجان لم يرتفع النكاح ولم تحل للسابي . وإطلاق الآية والحديث حجة عليه . { كتاب الله عليكم } مصدر مؤكد ، أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا وقرئ كتب الله بالجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم " وكتب الله " بلفظ الفعل . { وأحل لكم } عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعول عطفا على { حرمت } . { ما وراء ذلكم } ما سوى المحرمات الثمان المذكورة . وخص عنه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع ، والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها . { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلكم إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصرف في مهورهن ، أو أثمانهن في حال كونكم محصنين غير مسافحين ، ويجوز أن لا يقدر مفعول تبتغوا وكأنه قيل إرادة أن تصرفوا أموالكم محصنين غير مسافحين أو بدل مما وراء ذلكم بدل الاشتمال . واحتج به الحنفية على أن المهر لا بد وأن يكون مالا . ولا حجة فيه . والإحصان العفة فإنها تحصين للنفس عن اللوم والعقاب ، والسفاح الزنا من السفح وهو صب المني فإنه الغرض منه . { فما استمتعتم به منهن } فمن تمتعتم به من المنكوحات ، أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن . { فآتوهن أجورهن } مهورهن فإن المهر في مقابلة الاستمتاع . { فريضة } حال من الأجور بمعنى مفروضة ، أو صفة مصدر محذوف أي إيتاء مفروضا أو مصدر مؤكد . { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه بالتراضي ، أو فيما تراضيا به من نفقة أو مقام أو فراق . وقيل : نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة ثم نسخت ، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أباحها ثم أصبح يقول : " يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا أن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة " . وهي النكاح المؤقت بوقت معلوم سمي بها إذ الغرض منه مجرد الاستمتاع بالمرأة ، أو تمتيعها بما تعطي . وجوزها ابن عباس رضي الله عنهما ثم رجع عنه . { إن الله كان عليما } بالمصالح . { حكيما } فيما شرع من الأحكام .
قوله عز وجل : { والمحصنات } عطف على المحرمات قبل ، والتحصن : التمنع ، يقال حصن المكان : إذا امتنع ، ومنه الحصن ، وحصنت المرأة : امتنعت بوجه من وجوه الامتناع ، وأحصنت نفسها ، وأحصنها غيرها ، والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء ، وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب الله عز وجل ، فتستعمله في الزواج ، لأن ملك الزوجة منعة وحفظ ، ويستعملون الإحصان في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا ، والحرة بخلاف ذلك ، ألا ترى إلى قولة هند بنت عتبة للنبي عليه السلام ، حين بايعته ، وهل تزني الحرة ؟ قالحرية منعة وحفظ ، ويستعملون الإحصان في الإسلام لأنه حافظ ، ومنه قول النبي عليه السلام «الإيمان قيد الفتك »{[3924]} ومنه قول الهذلي :
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أمَّ مَالِكٍ . . . ولكنْ أَحَاطَتْ بالرِّقابِ السَّلاسِلُ{[3925]}
قالَتْ هَلُمَّ إلى الحَديثِ فَقُلْتُ لا . . . يَأبى عَلَيْكِ اللَّهُ والإسْلامُ{[3926]}
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كَفى الشَّيْبُ والإسْلامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيا{[3927]}
رَمَتْني وَسِتْرُ اللّهِ بيني وبينَها . . . فإن أحد الأقوال في الستر أنه أراد به الإسلام ، ويستعملون الإحصان في العفة ، لأنه إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها ، فهي منعة وحفظ{[3928]} .
وحيثما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني ، لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض ، بحسب موضع وموضع ، وسيأتي بيان ذلك في أماكنه إن شاء الله .
فقوله في هذه الآية { والمحصنات } ، قال ابن عباس وأبو قلابة وابن زيد ومكحول والزهري وأبو سعيد الخدري : هن ذوات الأزواج ، أي هن محرمات ، إلا ما ملكت اليمين بالسبي ، من أرض الحرب ، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه ، وإن كان لها زوج{[3929]} .
وروى أبو سعيد الخدري : أن الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس{[3930]} فلقوا عدواً وأصابوا سبياً لهن أزواج من المشركين ، فتأثم{[3931]} المسلمون من غشيانهن ، فنزلت الآية مرخصة{[3932]} ، وقال عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن ابن أبي الحسن وأبيّ بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس أيضاً : معنى { المحصنات } ذوات الأزواج ، فهن حرام إلا أن يشتري الرجل الأمة ذات الزوج ، فإن بيعها طلاقها ، وهبتها طلاقها والصدقة بها طلاقها ، وأن تعتق طلاقها ، وأن تورث طلاقها ، وتطليق الزوج طلاقها ، وقال ابن مسعود : إذا بيعت الأمة ولها زوج فالمشتري أحقّ ببضعها ، ومذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء أن انتقال الملك في الأمة لا يكون طلاقاً ، ولا طلاق لها إلا الطلاق ، وقال قوم : { المحصنات } في هذه الآية العفائف ، أي كل النساء حرام ، وألبسهن اسم الإحصان ، إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك ، { إلا ما ملكت إيمانكم } قالوا : معناه بنكاح أو شراء ، كل ذلك تحت ملك اليمين{[3933]} ، قال بهذا القول أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ، ورواه عبيده عن عمر رضي الله عنه ، وقال ابن عباس : { المحصنات } العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب .
قال القاضي أبو محمد : وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنا ، وأسند الطبري عن عروة أنه قال في تأويل قوله تعالى : { والمحصنات } : هن الحرائر ، ويكون { إلا ما ملكت أيمانكم } معناه بنكاح ، هذا على اتصال الاستثناء ، وإن أريد الإماء فيكون الاستثناء منقطعاً ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان نساء يأتيننا مهاجرات ، ثم يهاجر أزواجهن فمنعناهن بقوله تعالى : { والمحصنات } الآية .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يرجع إلى ما قد ذكر من الأقوال ، وأسند الطبري أن رجلاً قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية { والمحصنات من النساء } فلم يقل فيها شيئاً ؟ فقال سعيد : كان ابن عباس لا يعلمها وأسند أيضاً عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل قوله : { والمحصنات }إلى قوله : { حكيماً } .
قال القاضي أبو محمد : ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول{[3934]} ؟ وروي عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية { والمحصنات من النساء } فقال : يروى أنه حرم في هذه الآية ذوات الأزواج والعفائف من حرائر ومملوكات ، ولم يحل شيئاً من ذلك إلا بالنكاح أو الشراء والتملك ، وهذا قول حسن عمم لفظ الإحسان ولفظ ملك اليمين ، وعلى هذا التأويل يتخرج عندي قول مالك في الموطأ ، فإنه قال : هن ذوات الأزواج ، وذلك راجع إلى أن الله حرم الزنا ، ففسر الإحصان بالزواج ، ثم عاد عليه بالعفة{[3935]} .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة ، «والمحصّنات » بفتح الصاد في كل القرآن ، وقرأ الكسائي كذلك في هذا الموضع وحده ، وقرأ سائر ما في القرآن المحصنات بكسر الصاد «ومحصِنات » كذلك ، وروي عن علقمة أنه قرأ جميع ما في القرآن بكسر الصاد ، ففتح الصاد هو على معنى أحصنهن غيرهن من زوج أو إسلام أو عفة أو حرية . وكسر الصاد هو على معنى أنهن أحصنَّ أنفسهن بهذه الوجوه أو ببعضها ، وقرأ يزيد بن قطيب «والمحصُنات » بضم الصاد ، وهذا على إتباع الضمة الضمة{[3936]} .
وقرأ جمهور الناس «كتاب الله » وذلك نصب على المصدر المؤكد ، وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع اليماني «كَتَبَ اللهُ عليكم » على الفعل الماضي المسند إلى اسم الله تعالى ، وقال عبيدة السلماني وغيره : قوله { كتاب الله عليكم } إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله : { مثنى وثلاث ورباع }{[3937]} وفي هذا بعد ، والأظهر لأن قوله { كتاب الله عليكم } إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله ، واختلفت عبارة المفسرين في قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فقال السدي : المعنى وأحل لكم ما دون الخمس ، أن تبتغوا بأموالكم ، على وجه النكاح ، وقال نحوه عبيدة السلماني ، وقال عطاء وغيره : المعنى «وأحل لكم ما وراء » من حرم من سائر القرابة ، فهن حلال لكم تزويجهن ، وقال قتادة : المعنى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } من الإماء .
قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يعم جميع هذه الأقوال : وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «وأَحل لكم » بفتح الألف والحاء ، وهذا مناسبة لقوله { كتاب الله } إذ المعنى كتب الله ذلك كتاباً ، وقرأ حمزة والكسائي «وأحِل » بضم الهمزة وكسر الحاء وهذه مناسبة لقوله : { حرمت عليكم } والوراء في هذه الآية ما يعتبر أمره بعد اعتبار المحرمات ، فهن وراء أولئك بهذا الوجه{[3938]} ، و { أن تبتغوا بأموالكم } ، لفظ يجمع التزويج والشراء و { أن } في موضع نصب ، وعلى قراءة حمزة في موضع رفع ، ويحتمل النصب بإسقاط الباء{[3939]} ، و { محصنين } ، معناه متعففين أي تحصنون أنفسكم بذلك { غير مسافحين } ، أي غير زناة ، والسفاح : الزنا ، وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه{[3940]} ، ولزم هذا الاسم الزنا ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع الدفاف{[3941]} في عرس : هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر . واختلف المفسرون في معنى قوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر ، وهو المهر كله ، ولفظة { فما } تعطي أن بيسير الوطء يجب إيتاء الأجر . وروي عن ابن عباس أيضاً ومجاهد والسدي وغيرهم : أن الآية في نكاح المتعة ، وقرأ ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير ، «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهنَّ أجورهن » وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله عز وجل ، وروى الحكم بن عتيبة ، أن علياً رضي الله عنه قال : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقيّ ، وقد كانت المتعة لا ميراث فيها ، وقيل قول الله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }{[3942]} [ الطلاق : 1 ] وقالت عائشة : نسخها قوله : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم }{[3943]} ولا زوجية مع الأجل ورفع الطلاق ، والعدة ، والميراث ، وكانت{[3944]} : أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى ، وعلى أن لا ميراث بينهما ، ويعطيها ما اتفقا عليه ، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وتستبرىء رحمها لأن الولد لاحق فيه بلا شك ، فإن لم تحمل حلت لغيره .
قال القاضي أبو محمد : وفي كتاب النحاس : في هذا خطأ فاحش في اللفظ ، يوهم أن الولد لا يلحق في نكاح المتعة{[3945]} ، وحكى المهدوي عن ابن المسيب : أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود ، وفيما حكاه ضعف ، و { فريضة } نصب على المصدر في موضع الحال{[3946]} .
واختلف المفسرون في معنى قوله : { ولا جناح عليكم } الآية ، فقال القائلون بأن الآية المتقدمة أمر بإيتاء مهور النساء إذا دخل بهن : إن هذه إشارة إلى ما يتراضى به من حط أو تأخير بعد استقرار الفريضة ، فإن ذلك الذي يكون على وجه الرضا جائز ماض ، وقال القائلون بأنه الآية المتقدمة هي أمر المتعة : إن الإشارة بهذه إلى أن ما تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر جائز سائغ ، وباقي الآية بين .