المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

4 - فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب فاضربوا رقابهم ، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل فيهم فاحكموا قيد الأساري ، فإما أن تمنوا بعد انتهاء المعركة مناً بإطلاقهم دون عوض ، وإمَّا أن تقبلوا أن يفتدوا بالمال أو بالأسرى من المسلمين . وليكن هذا شأنكم مع الكافرين ، حتى تضع الحرب أثقالها وينتهي ، فهذا حكم الله فيهم ، ولو شاء الله لانتصر منهم بغير قتال ، وليختبر المؤمنين بالكافرين شرع الجهاد ، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يُبطل أعمالهم{[203]} ، سيهديهم ويصلح قلوبهم ، ويدخلهم الجنة عرَّفها لهم .


[203]:قصدت الرقاب بالضرب في هذه الآية الكريمة لأن ضربها أنجع وسيلة للإجهاز السريع على المضروب بغير تعذيب له ولا تمثيل به، إذ إنه من الثابت علميا أن الرقبة حلقة الاتصال بين الرأس وسائر الجسد، فإذا قطع الجهاز العصبي شلت جميع وظائف الجسم الرئيسية، وإذا قطعت الشرايين والأوردة توقف الدم عن تغذية المخ، وإذا قطعت الممرات الهوائية وقف التنفس، وفي جميع هذه الحالات تنتهي الحياة سريعا.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

{ 4-6 } { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }

يقول تعالى -مرشدا عباده إلى ما فيه صلاحهم ، ونصرهم على أعدائهم- : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } في الحرب والقتال ، فاصدقوهم القتال ، واضربوا منهم الأعناق ، حَتَّى تثخنوهم وتكسروا شوكتهم وتبطلوا شرتهم ، فإذا فعلتم ذلك ، ورأيتم الأسر أولى وأصلح ، { فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } أي : الرباط ، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا ، فإذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم ، فإذا كانوا تحت أسركم ، فأنتم بالخيار بين المن عليهم ، وإطلاقهم بلا مال ولا فداء ، وإما أن تفدوهم بأن لا تطلقوهم حتى يشتروا أنفسهم ، أو يشتريهم أصحابهم بمال ، أو بأسير مسلم عندهم .

وهذا الأمر مستمر { حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أي : حتى لا يبقى حرب ، وتبقون في المسألة والمهادنة ، فإن لكل مقام مقالا ، ولكل حال حكما ، فالحال المتقدمة ، إنما هي إذا كان قتال وحرب .

فإذا كان في بعض الأوقات ، لا حرب فيه لسبب من الأسباب ، فلا قتل ولا أسر .

{ ذَلِكَ } الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ، ومداولة الأيام بينهم ، وانتصار بعضهم على بعض { وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ } فإنه تعالى على كل شيء قدير ، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبدا ، حتى يبيد المسلمون خضراءهم .

{ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } ليقوم سوق الجهاد ، ويتبين بذلك أحوال العباد ، الصادق من الكاذب ، وليؤمن من آمن إيمانا صحيحا عن بصيرة ، لا إيمانا مبنيا على متابعة أهل الغلبة ، فإنه إيمان ضعيف جدا ، لا يكاد يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا .

{ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } لهم ثواب جزيل ، وأجر جميل ، وهم الذين قاتلوا من أمروا بقتالهم ، لتكون كلمة الله هي العليا .

فهؤلاء لن يضل الله أعمالهم ، أي : لن يحبطها ويبطلها ، بل يتقبلها وينميها لهم ، ويظهر من أعمالهم نتائجها ، في الدنيا والآخرة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

ثم أرشد الله - تعالى - : المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند لقائهم لأعدائهم ، وبعد انتصارهم عليهم ، كما بين لهم الحكمة مشروعية القتال . والجزاء الحسن الذى أعده للمجاهدين ، فقال - تعالى - : { فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين . . . عَرَّفَهَا لَهُمْ } .

والفاء فى قوله - تعالى - : { فَإِذَا لَقِيتُمُ } لترتيب ما بعدها من إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند قتل أعدائهم ، على ما قبلها وهو بيان حال الكفار .

فالمراد باللقاء هنا : القتال لا مجرد اللقاء والرؤية . كما أن المراد بالذين كفروا هنا المشركون وكل من كان على شاكلتهم ممن ليس بيننا وبينهم عهد بل بيننا وبينهم حرب وقتال .

وقوله - سبحانه - : { فَضَرْبَ الرقاب } أمر للمؤمنين بما يجب فعله عند لقائهم لأعدائهم . وقوله : { فَضَرْبَ } منصوب على أنه مصدر لفعل محذوف . أى : فإذا كان حال الذين كفروا كما ذكرت لكم من إحباط أعمالهم بسبب اتباعهم الباطل وإعراضهم عن الحق ، فإذا لقيتموهم للقتال ، فلا تأخذكم بهم رأفة ، بل اضربوا رقابهم ضربا شديدا .

والتعبير عن القتل بقوله : { فَضَرْبَ الرقاب } ، لتصويره فى أفظع صوره . ولتهويل أمر القتال ، ولإِرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله .

قال صاحب الكشاف : قوله : { لَقِيتُمُ } من اللقاء وهو الحرب { فَضَرْبَ الرقاب } أصله : فاضرب الرقاب ضربا ، فحذف الفعل وقدم المصدر ، فأنيب منابه مضافا إلى المفعول ، وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد ، لأنك تذكر المصدر ، وتدل على الفعل بالنصبة التى فيه .

وضرب الرقاب : عبارة عن القتل . . وذلك أن قتل الإِنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته ، فوقع عبارة عن القتل ، وإن ضرب بغير رقبته من المقاتل .

على أن فى هذه العبارة من الغلظة والشدة ، ما ليس سفى لفظ القتل ، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة ، وهو حز العنق ، وإطارة العضو الذى هو رأس البدن .

وقوله - سبحانه - : { حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق } بيان لما يكون من المؤمنين بعد مثل حركة أعدائهم ، وإنزال الهزيمة بهم .

وقوله : { أَثْخَنتُمُوهُمْ } من الإِثخان بمعنى كثرة الجراح ، مأخوذ من الشئ الثخين ، أى : الغليظ ، يقال : أثخن الجيش فى عدوه ، إذا بالغ فى إنزاله الجراحة الشديدة به ، حتى أضعفه وأزال قوته .

والوثاق - بفتح الواو وكسرها - اسم الشئ الى يوثق به الأسير كالرباط أى : عند لقائكم - أيها المؤمنون - لأعدائكم ، فاضربوا أعناقكم ، فإذا ما تغلتم عليهم وقهرتموهم ، وأنزلتم بهم الجراح التى تجعلهم عاجزين عن مقاومتكم ، فأحكموا قيد من أسرتموه منهم ، حتى لا يستطيع التفلت أو الهرب منكم .

وقوله - سبحانه - { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } إرشاد لما يفعلونه بعد ذلك .

والمن : الإِطلاق بغير عوض ، يقال : مَّن فلان على فلان إذا أنعم عليه بدون مقابل .

والفداء : ما يقدمه الأسير من أموال أو غيرها لكى يفتدى بها نفسه من الأسر .

وقوله : { مَنًّا } و { فِدَآءً } منصوبان على المصدرية بفعل محذوف : أى : فإما تمنون عليهم بعد السر منا بأن تطلقوا سراحهم بدون مقابل ، وإما أن تفدوا فداء بأن تأخذوا منهم فدية فى مقابل إطلاق سراحهم .

وقوله - سبحانه - { حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا } غاية لهذه الأوامر والإِرشادات .

وأوزار الحرب : آلاتها وأثقالها الى لا تقوم إلا بها ، كالسلاح وما يشبه .

قال الشاعر :

وأعددتَ للحرب أوزارها . . . رماحا طوالاً وخيلا ذكورا

أى : افعلوا بهم ما أمرناكم بفعله ، واستمروا على ذلك حتى تنتهى الحرب التى بينكم وبين أعدئاكم بهزيمتهم وانتصارهم عليهم .

وسميت آلات الحرب وأحمالها بالأوزار ، لأن الحرب لما كانت لا تقوم إلا بها ، فكأنها تحملها وتستقل بها ، فإذا انقضت الحرب فكأنها وضعت أحمالها وانفصلت عنها .

ثم بين - سبحانه - الحكمة من مشروعية قتال الأعداء ، مع أنه - سبحانه - قادر على إهلاك هؤلاء الأعداء ، فقال : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } .

واسم الإِشارة : خبر لمبتدأ محذوف ، أى : الأمر ذلك ، أو فى محل نصب على المفعولية بفعل محذوف ، أى : افعلوا ذلك الذى أمرناكم به وأرشدناكم إليه واعلموا أنه - سبحانه - لو يشاء الانتصار من هؤلاء الكافرين والانتقام منهم لفعل ، أى : لو يشاء إهلاكهم لأهلكم ، ولكنه - سبحانه - لم يفعل ذلك بل أمركم بمحاربتهم ليختبر بعضكم ببعض ، فيتميز عن طريق هذا الاختبار والامتحان ، قوى الإِيمان من ضعيفه . كما قال - تعالى - : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما أعده للمجاهدين من ثواب عظيم فقال : { والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله } أى : والذين استشهدوا وهم يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله .

{ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } أى : فلن يضيع أعمالهم ولن يبطلها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (4)

قال ابن عباس وقتادة وابن جريج والسدي : إن هذه الآية منسوخة بآية السيف التي في براءة : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }{[10349]} [ التوبة : 5 ] وإن الأسر والمن والفداء مرتفع ، فمتى وقع أسر فإنما معه القتل ولا بد ، وروي نحوه عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه{[10350]} . وقال ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء ما معناه : إن هذه الآية محكمة مبينة لتلك ، والمن والفداء ثابت ، وقد منَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمامة بن أثال ، وفادى أسرى بدر ، وقاله الحسن ، وقال : لا يقتل الأسير إلا في الحرب ، يهيب بذلك على العدو . وكان عمر بن عبد العزيز يفادي رجلاً برجل ، ومنع الحسن أن يفادوا بالمال . وقد أمر عمر بن عبد العزيز بقتل أسير من الترك ذكر له أنه قتل مسلمين . وقالت فرقة : هذه الآية خصصت من الأخرى أهل الكتاب فقط ، ففيهم المن والفداء ، وعباد الأوثان ليس فيهم إلا القتل . وعلى قول أكثر العلماء الآيتان محكمتان . وقوله هنا : { فضرب الرقاب } بمثابة قوله هناك : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }{[10351]} [ التوبة : 5 ] وصرح هنا بذكر المن والفداء ، ولم يصرح به هنالك ، وهو مراد متقرر ، وهذا هو القول القوي .

وقوله : { فضرب الرقاب } مصدر بمعنى الفعل ، أي فاضربوا رقابهم وعين من أنواع القتل أشهره وأعرفه فذكره ، والمراد : اقتلوهم بأي وجه أمكن ، وقد زادت آية : { واضربوا منهم كل بنان }{[10352]} [ الأنفال : 12 ] وهي من أنكى ضربات الحرب ، لأنها تعطل من المضروب جميع جسده ، إذ البنان أعظم آلة المقاتل وأصلها . و : { أثخنتموهم } معناه : بالقتل . والإثخان في القوم : أن يكثر فيهم القتلى والجرحى ، والمعنى : فشدوا الوثاق بمن لم يقتل ولم يترتب عليه إلا الأسر . و : { مناً } و : { فداء } مصدران منصوبان بفعلين مضمرين . وقرأ جمهور الناس : «فداء » . وقرأ شبل عن ابن كثير : «فدى » مقصوراً .

وإمام المسلمين مخير في أسراه في خمسة أوجه : القتل ، أو الاسترقاق ، أو ضرب الجزية ، أو الفداء ، أو المن . ويترجح النظر في أسير أسر بحسب حاله من إذاية المسلمين أو ضد ذلك .

وقوله تعالى : { حتى تضع الحرب أوزارها } معناه : حتى تذهب وتزول أثقالها . والأوزار : الأثقال فيها والآلات لها ، ومنه قول الشاعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي :

[ المتقارب ]

وأعددت للحرب أوزارها . . . رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا{[10353]}

وقال الثعلبي : وقيل الأوزار في هذه الآية : الآثام ، جمع وزر ، لأن الحرب لا بد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين .

واختلف المتأولون في الغاية التي عندها { تضع الحرب أوزارها } ، فقال قتادة : حتى يسلم الجميع فتضع الحرب أوزارها . وقال حذاق أهل النظر : حتى تغلبوهم وتقتلوهم .

وقال مجاهد حتى ينزل عيسى ابن مريم .

قال القاضي أبو محمد : وظاهر الآية أنها استعارة يراد لها التزام الأمر أبداً ، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها ، فجاء هذا كما تقول : أنا أفعل كذا إلى يوم القيامة ، فإنما تريد : إنك تفعله دائماً .

وقوله تعالى : { ذلك } تقديره : الأمر ذلك . ثم قال : { ولو يشاء الله لانتصر منهم } أي بعذاب من عنده يهلكهم به في حين واحد ، ولكنه تعالى أراد اختبار المؤمنين وأن يبلو بعض الناس ببعض .

وقرأ جمهور الناس : «قاتلوا » وقرأ عاصم الجحدري بخلاف عنه : «قَتَلوا » بفتح القاف والتاء . وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم والأعرج وقتادة والأعمش : «قُتِلوا » بضم القاف وكسر التاء . وقرأ زيد بن ثابت والحسن والجحدري وأبو رجاء : «قُتِّلوا » بضم القاف وكسر التاء وشدها ، والقراءة الأولى أعمها وأوضحها معنى .

وقال قتادة : نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم أحد من المؤمنين .


[10349]:من الآية (5) من سورة (التوبة)، قالوا: وهي منسوخة أيضا بقوله تبارك وتعالى:{وقاتلوا المشركين كافة}، وبقوله:{ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}.
[10350]:قال عبد الكريم الجوزي:"كُتب إلى أبي بكر في أسير أسر، فذكروا أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا، فقال: اقتلوه، لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا".
[10351]:في بعض النسخ:"وهو مراد متقرر".
[10352]:من الآية(12) من سورة (الأنفال).
[10353]:ليس هذا البيت من قول بن معد يكرب، بل هو للأعشى، وهو من قصيدة طويلة له، قالها يمدح هوزة بن علي الحنفي، ومطلعها: غشيت لليلى بليل خدورا وطالبتها ونذرت النذورا والخطاب لهوزة هذا في القصيدة كلها، يقول له: إنك أعددت للحرب عدتها وآلاتها وهي الرماح الطويلة وذكور الخيل القوية، و(رماحا) منصوبة على أنها بدل من (أوزار).