المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

16- تتنحى جنوبهم عن مضاجعها . يدعون ربهم خوفاً من سخطه ، وطمعاً في رحمته ، ومن المال الذي رزقناهم به ينفقون في وجوه الخير .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } أي : ترتفع جنوبهم ، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة ، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم ، وهو الصلاة في الليل ، ومناجاة اللّه تعالى .

ولهذا قال : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي : في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية ، ودفع مضارهما . { خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : جامعين بين الوصفين ، خوفًا أن ترد أعمالهم ، وطمعًا في قبولها ، خوفًا من عذاب اللّه ، وطمعًا في ثوابه .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الرزق ، قليلاً كان أو كثيرًا { يُنْفِقُونَ } ولم يذكر قيد النفقة ، ولا المنفق عليه ، ليدل على العموم ، فإنه يدخل فيه ، النفقة الواجبة ، كالزكوات ، والكفارات ، ونفقة الزوجات والأقارب ، والنفقة المستحبة في وجوه الخير ، والنفقة والإحسان المالي ، خير مطلقًا ، سواء وافق غنيًا أو فقيرًا ، قريبًا أو بعيدًا ، ولكن الأجر يتفاوت ، بتفاوت النفع ، فهذا عملهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

ثم صور - سبحانه - أحوالهم فى عبادتهم وتقربهم إلى الله ، تصويراً بديعاً فقال : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } .

والتجافى : التحرك إلى جهة أعلى . وأصله من جفا فلان السرج عن فرسه ، إذا رفعه . ويقال تجافى فلان عن مكانه ، إذا انتقل عنه .

والجنوب : جمع جنب . وأصله الجارحة ، والمراد به الشخص .

والمضاجع : جمع مضجع ، وهو مكان الاتكاء للنوم .

والمعنى : أن هؤلاء المؤمنين الصادقين ، تتنحى وترتفع أجسامهم ، عن أماكن نومهم ، وراحتهم ، حالة كونهم يدعون ربهم بإخلاص وإنابة { خَوْفاً } من سخطه عليهم ، { وَطَمَعاً } فى رضاه عنهم .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من فضلنا وخيرنا { يُنفِقُونَ } فى وجوه البر والخير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

ثم قال [ تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } يعني بذلك : قيام الليل ، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة . قال مجاهد والحسن في قوله تعالى ]{[23084]} : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ } يعني بذلك : قيام الليل .

وعن أنس ، وعكرمة ، ومحمد بن المُنْكَدِر ، وأبي حازم ، وقتادة : هو الصلاة بين العشاءين . وعن أنس أيضًا : هو انتظار صلاة العتمة . رواه ابن جرير بإسناد جيد . {[23085]}

وقال الضحاك : هو صلاة العشاء في جماعة ، وصلاة الغداة في جماعة .

{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : خوفًا من وبال عقابه ، وطمعًا في جزيل ثوابه ، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } ، فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية ، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال عبد الله بن رَوَاحة ، رضي الله عنه :

وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُو كتَابَه *** إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الصُّبْحِ سَاطعُ

[ أرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا *** به مُوقِنَاتٌ أنَّ مَا قَال وَاقِعُ ]{[23086]}

يَبيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِه *** إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بالْمُشْرِكِين المَضَاجِعُ

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن مُرَّة الهمداني ، عن ابن مسعود{[23087]} ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «عجب ربنا من رجلين : رجل ثار من وِطَائه ولحافه ، ومن بين أهله وَحَيِّه{[23088]} إلى صلاته ، [ فيقول ربنا : أيا ملائكتي ، انظروا إلى عبدي ، ثار من فراشه ووطائه ، ومن بين حيه وأهله إلى صلاته ]{[23089]} رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي . ورجل غزا في سبيل الله ، عز وجل ، فانهزموا ، فعلم ما عليه من الفرار ، وما له في الرجوع ، فرجع حتى أهريق دمه ، رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي . فيقول الله ، عز وجل للملائكة : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ، ورهبة مما عندي ، حتى أهريق دمه » .

وهكذا رواه أبو داود في " الجهاد " ، عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، به بنحوه . {[23090]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن عاصم بن أبي النَّجُود ، عن أبي وائل ، {[23091]} عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ، ونحن نسير ، فقلت : يا نبي الله ، {[23092]} أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار . قال : «لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت » . ثم قال : «ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل في{[23093]} جوف الليل » . ثم قرأ : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } ، حتى بلغ { يَعْمَلُون } . ثم قال : «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ » فقلت : بلى ، يا رسول الله . فقال : «رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سَنَامه الجهاد في سبيل الله » . ثم قال : «ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ » فقلت : بلى ، يا نبي الله . فأخذ بلسانه ثم قال : " كُفّ عليك هذا " . فقلت : يا رسول الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به . فقال : «ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم - أو قال : على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم » .

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم ، من طرق عن معمر ، به . {[23094]} وقال {[23095]} الترمذي : حسن صحيح . ورواه ابن جرير من حديث شعبة ، عن الحكم قال : سمعت عُرْوَة بن النزال {[23096]} يحدث عن معاذ بن جبل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : «ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تكفر الخطيئة ، وقيام العبد في جوف الليل " ، وتلا هذه الآية : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } {[23097]} .

ورواه أيضًا من حديث الثوري ، عن منصور بن المعتمر ، عن الحكم ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ومن حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، والحكم عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ مرفوعا بنحوه . ومن حديث حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النَّجُود ، عن شهر ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } قال : «قيام العبد من الليل » . {[23098]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سَنَان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا فِطْر بن خليفة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، والحكم ، وحكيم بن جُبَيْر ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال : «إن شئت أنبأتك بأبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل » ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } .

ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مُسْهِر ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، {[23099]} عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد فنادى بصوت يُسمعُ الخلائق : سيعلم أهل الجمع اليوم مَن أولى بالكرم . ثم يرجع فينادي : ليقم{[23100]} الذين كانت { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } الآية ، فيقومون وهم قليل " . {[23101]}

وقال البزار : حدثنا عبد الله بن شَبِيب ، حدثنا الوليد بن عطاء بن الأغر ، حدثنا عبد الحميد بن سليمان ، حدثني مصعب ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : قال بلال{[23102]} لما نزلت هذه الآية : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } [ الآية ]{[23103]} ، كنا نجلس في المجلس ، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء ، فنزلت هذه الآية : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } .

ثم قال : لا نعلم روى أسلم عن بلال سواه ، وليس له طريق عن بلال غير هذه الطريق{[23104]} .


[23084]:- زيادة من ت، ف.
[23085]:- تفسير الطبري (21/63).
[23086]:- زيادة من ت، ف، أ.
[23087]:- في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده عن ابن مسعود".
[23088]:- في ت، ف، أ: "من بين بنيه وأهله".
[23089]:- زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
[23090]:- المسند (1/416) وسنن أبي داود برقم (5236).
[23091]:- في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".
[23092]:- في ت: "يا رسول الله".
[23093]:- في ت: "من".
[23094]:- المسند (5/231) وسنن الترمذي برقم (2616) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11394) وسنن ابن ماجه برقم (3973).
[23095]:- في ت: "رواه".
[23096]:- في أ: "الزبير"
[23097]:- تفسير الطبري (21/64).
[23098]:- تفسير الطبري (21/64، 65).
[23099]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
[23100]:- في ت: "لتقم".
[23101]:- ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو يعلى في المسند الكبير كما في المطالب العالية (4/373) من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.
[23102]:- في ت: "وقال البزار بإسناده عن بلال قال".
[23103]:- زيادة من ت، ف.
[23104]:- مسند البزار برقم (2250) "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (7/90): "فيه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

جفا الرجل الموضع إذا تركه ، و «تجافى الجنب » عن مضجعه إذا تركه وجافى الرجل جنبه عن مضجعه ، ومنه في الحديث «ويجافي بضبعيه »{[9424]} أي يبعدهما عن الأرض وعن يديه ، فقوله { تتجافى جنوبهم } أي تبعد وتزول ، ومنه قول عبد الله بن رواحة : [ الطويل ]

نَبِيٌّ تجافى جنبه عن فراشه . . . إذا استثقلت بالمشركين المضاجع{[9425]}

ويروى يبيت يجافي ، قال الزجاج والرماني : التجافي التنحي إلى جهة فوق .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول حسن ، وكذلك في الصفح عن المخطىء في سب ونحوه . و «الجنوب » جمع جنب ، و { المضجع } موضع الاضطجاع للنوم ، وقال أنس بن مالك : أراد بهذه الآية الصلاة بين المغرب والعشاء ، وقال عطاء وأبو سلمة أراد صلاة العشاء الآخرة ، وقال أبو محمد : وكانت الجاهلية ينامون من أول المغرب ومن أي وقت شاء الإنسان فجاء انتظار وقت العشاء الآخرة غريباً شاقاً ، وقال أنس بن مالك أيضاً : أراد انتظار العشاء الآخرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل وفي ذلك أحاديث كثيرة{[9426]} ، وقال الضحاك : «تجافي الجنب » هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة وهذا قول حسن يساعده لفظ الآية{[9427]} ، وقال الجمهور من المفسرين : أراد بهذا التجافي صلاة النوافل بالليل .

قال الفقيه الإمام القاضي : وعلى هذا التأويل أكثر الناس ، وهو الذي فيه المدح ، وفيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر قيام الليل ثم يستشهد بالآية ، ذكره الطبري عن معاذ بن جبل{[9428]} ، ورجح الزجاج هذا القول بأنهم جزوا بإخفاء فدل ذلك على أن العمل إخفاء أيضاً وهو قيام الليل ، وقوله { يدعون } يحتمل أن يكون في موضع الحال من الموصوفين ، أي في وقت التجافي ، ويحتمل أن يكون صفة مستأنفة ، أي { تتجافى جنوبهم } وهم أيضاً في كل أحوالهم { يدعون } ليلهم ونهارهم . و «الخوف » من عذاب الله ، و «الطمع » في ثواب الله . و { ينفقون } قيل معناه الزكاة المفروضة وقيل النوافل والصدقات غير المفروضة وهذا القول أمدح .


[9424]:أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وأحمد، ولفظه كما أخرجه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن مالك بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه.
[9425]:هذا بيت من الشعر ضمن ثلاثة أبيات رواها الإمام أحمد عن أبي هريرة 3-451، قال أبو هريرة: إن أخا لكم كان لا يقول الرفث- يعني ابن رواحة، قال: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الليل ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالكافرين المضاجع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع
[9426]:من ذلك ما رواه الترمذي وصححه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذه الآية نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة، وكذلك ما أخرجه البخاري في تاريخه، وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه، قال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} في صلاة العشاء. وكذلك ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: هم الذين لا ينامون قبل العشاء، فأثنى عليهم، فلما ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه، فوقتها قبل أن ينام الصغار ويكسل الكبير.
[9427]:هكذا في جميع الأصول.
[9428]:حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أخرجه أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده، والقاضي إسماعيل بن إسحاق، وأبو عيسى الترمذي، وقال فيه: حديث حسن صحيح، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل)، قال: ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ: [يعلمون]، وفي (الدر المنثور) قال السيوطي:"أخرج أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت ، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ : الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ [يعلمون]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بللا يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عنك هذا، قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟" وهذا الحديث هو الحديث التاسع والعشرون من الأربعين النووية، وقد علق الحافظ ابن رجب الحنبلي على تصحيح الترمذي لهذا الحديث في أثناء شرحه لهذا الحديث في كتابه: (جامع العلوم والحكم) بما يفيد أنه لا يوافق على ما قاله الترمذي من أنه حديث حسن صحيح لاعتبارات ذكرها هناك. والله أعلم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

وجملة { تتجافى جنوبهم } حال من الموصول ، أي : الذين إذا ذُكِّروا بها خرّوا ومَن حالهم تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، أو استئناف . وجيء فيها بالمضارع لإفادة تكرر ذلك وتجدده منهم في أجزاء كثيرة من الأوقات المعدة لاضطجاع وهي الأوقات التي الشأن فيها النوم .

والتجافي : التباعد والمتاركة . والمعنى : أن تجافي جنوبهم عن المضاجع يتكرر في الليلة الواحدة ، أي : يكثرون السهر بقيام الليل والدعاء لله ؛ وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الرجل في جوف الليل ، كما سيأتي في حديث معاذ عند الترمذي .

و { المضاجع : الفرش جمع مضجع ، وهو مكان الضجع ، أي : الاستلقاء للراحة والنوم . وأل فيه عوض عن المضاف إليه ، أي عن مضاجعهم كقوله تعالى : { فإن الجنة هي المأوى } [ النازعات : 41 ] . وهذا تعريض بالمشركين إذ يمضون ليلهم بالنوم لا يصرفه عنهم تفكر بل يسقطون كما تسقط الأنعام . وقد صرح بهذا المعنى عبد الله بن رواحة بقوله يصف النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد أصحاب هذا الشأن :

يبيت يجافي جنبه عن فراشه . . . إذا استثقلتْ بالمشركين المضاجع

وجملة { يدعون ربهم } يجوز أن تكون حالاً من ضمير { جنوبهم } والأحسن أن تجعل بدل اشتمال من جملة { تتجافى جنوبهم } .

وانتصب { خوفاً وطمعاً } على الحال بتأويل خائفين وطامعين ، أي : من غضبه وطمعاً في رضاه وثوابه ، أي هاتان صفتان لهم . ويجوز أن ينتصبا على المفعول لأجله ، أي لأجل الخوف من ربهم والطمع في رحمته .

ولما ذكر إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لَذات أخرى وهو المال إذ ينفقون منه ما لو أبقوه لكان مجلبة راحة لهم فقال { ومما رزقناهم ينفقون } أي : يتصدقون به ولو أيسر أغنياؤهم فقراءهم .