نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

ولما كان المتواضع ربما نسب إلى الكسل ، نفى ذلك عنهم بقوله مبيناً {[54768]}بما تضمنته {[54769]}الآية السالفة من خوفهم : { تتجافى } أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه{[54770]} الإظهار ، وبشر بكثرتهم بالتعبير{[54771]} بجمع الكثرة فقال : { جنوبهم } بعد النوم { عن المضاجع } أي الفرش الموطأة الممهدة التي هي محل{[54772]} الراحة والسكون والنوم{[54773]} ، فيكونون عليها كالملسوعين ، لا يقدرون على الاستقرار عليها ، في الليل الذي هو موضع {[54774]}الخلوة ومحط اللذة{[54775]} والسرور بما تهواه النفوس ، قال الإمام السهروردي في الباب السادس والأربعين من عوارفه عن المحبين : قيل : نومهم نوم الفرقى ، وأكلهم أكل المرضى ، وكلامهم ضرورة ، فمن نام عن غلبة بهمّ مجتمع متعلق بقيام الليل وفق لقيام الليل ، وإنما النفس إذا طعمت ووطنت على النوم استرسلت فيه ، وإذا أزعجت بصدق العزيمة لا تسترسل في الاستقرار ، وهذا الانزعاج في النفس بصدق العزيمة هو التجافي الذي قال الله ، لأن الهم بقيام الليل وصدق العزيمة يجعل بين الجنب والمضجع سواء وتجافياً{[54776]} .

ولما كان هجران{[54777]} المضجع قد يكون لغير العبادة ، بين أنه لها ، فقال مبيناً لحالهم : { يدعون } أي على سبيل الاستمرار ، {[54778]}وأظهر الوصف الذي جرأهم على السؤال فقال{[54779]} : { ربهم } أي الذي عودهم بإحسانه : ثم علل دعاءهم بقوله : { خوفاً } أي من سخطه وعقابه ، فإن أسباب الخوف من نقائصهم كثيرة سواء عرفوا سبباً يوجب خوفاً أو لا ، فهم لا يأمنون مكره لأن له أن يفعل ما يشاء{[54780]} { وطمعاً } أي في رضاه الموجب لثوابه ، وعبر به دون الرجاء إشارة إلى أنهم لشدة معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئاً بل يطلبون فضله بغير سبب ، وإذا كانوا يرجون رحمته بغير سبب فهم مع السبب أزجى ، فهم لا ييأسون من روحه{[54781]} .

ولما كانت العبادة تقطع عن التوسع في الدنيا ، فربما دعت نفس{[54782]} العابد إلى التسمك بما في يده خوفاً من نقص العبادة عند الحاجة لتشوش الفكر والحركة لطلب الرزق{[54783]} ، حث على الإنفاق منه اعتماداً على الخلاق الرزاق الذي ضمن الخلف{[54784]} ليكونوا بما ضمن لهم أوثق منهم بما عندهم ، وإيذاناً بأن الصلاة سبب للبركة في الرزق

{ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك }[ طه : 132 ] ، فقال لفتاً إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أن الرزق منه وحده : { ومما رزقناهم } أي بعظمتنا ، لا بحول منهم ولا قوة { ينفقون * } من غير إسراف ولا تقتير في جميع وجوه{[54785]} القرب التي شرعناها لهم .


[54768]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تضمنت.
[54769]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تضمنت.
[54770]:زيد في ظ ومد: من.
[54771]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالتبصير.
[54772]:زيد من ظ وم ومد.
[54773]:سقط من ظ.
[54774]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اللذة ومحط الخلوة.
[54775]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اللذة ومحط الخلوة.
[54776]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[54777]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يجران.
[54778]:تأخر ما بين الرقمين في الأصل عن "دعاءهم بقوله"، والترتيب من ظ وم ومد.
[54779]:تأخر ما بين الرقمين في الأصل عن "دعاءهم بقوله"، والترتيب من ظ وم ومد.
[54780]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[54781]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[54782]:في ظ وم ومد: النفس.
[54783]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[54784]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الخلق.
[54785]:في ظ: الوجوه.