فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

{ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } أي ترتفع وتنبو ، يقال : جفى الشيء عن الشيء ، وتجافى عنه : إذا لم يلزمه ونبا عنه ، والمضاجع جمع المضجع ، وهو الموضع الذي يضطجع فيه . قال الزجاج والرماني : التجافي والتجفي إلى جهة فوق ، وكذلك هو في الصفح عن المخطىء في سبّ ونحوه .

والجنوب جمع جنب ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي متجافية جنوبهم عن مضاجعهم ، وهم المتهجدون في الليل الذين يقومون للصلاة عن الفراش ، وبه قال الحسن ومجاهد وعطاء والجمهور .

والمراد بالصلاة : صلاة التنفل بالليل من غير تقييد . وقال قتادة وعكرمة : هو التنفل ما بين المغرب والعشاء . وقيل : صلاة العشاء فقط ، وهو رواية عن الحسن وعطاء . وقال الضحاك : صلاة العشاء والصبح في جماعة . وقيل : هم الذين يقومون لذكر الله سواء كان في صلاة أو غيرها { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } هذه الجملة في محل نصب على الحال أيضاً من الضمير الذي في جنوبهم ، فهي حال بعد حال ، ويجوز أن تكون الجملة الأولى مستأنفة لبيان نوع من أنواع طاعاتهم ، والمعنى : تتجافى جنوبهم حال كونهم داعين ربهم خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } أي من الذي رزقناهم أو من رزقهم ، وذلك الصدقة الواجبة . وقيل : صدقة النفل ، والأولى الحمل على العموم . وانتصاب { خوفاً } و { طمعاً } على العلة ، ويجوز أن يكونا مصدرين منتصبين بمقدّر .

/خ22