وقوله تعالى : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } [ السجدة : 16 ] .
تَجافَى الجنبُ عن موضِعِه إذا تَرَكه قال الزجاج وغيره : التَّجافِي التَّنَحِّي إلى فوق .
قال ( ع ) : وهذا قول حسن ، والجنوبُ جَمْعُ جَنْبٍ ، و( المضاجِعُ ) مَوْضِع الاضْطجَاع للنوم .
( ت ) : وقال الهرَوِيُّ : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } أي : ترتفعُ وتَتَباعَدُ والجَفاء بَيْن النَّاسِ هُو التَّبَاعُدُ ، انتهى . وَرَوَى البُخَاري بسنَدِهِ عن أبي هريرة أن عَبدَ اللّه بن رَوَاحَةَ رَضِيَ اللّه عنه قَالَ : [ الطويل ]
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ يَتلُو كِتَابَه *** إذَا انشق مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الهدى بَعْدَ العمى فَقُلُوبُنَا *** بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ *** إذَا استثقلت بِالْكَافِرِينَ المَضَاجِعُ
وجمهور المفسرين : على أن المرادَ بهذا التجافي صلاةُ النوافلِ بالليلِ .
قال ( ع ) : وعلى هذا التأويل أكثَرُ الناسِ ، وهو الذي فيه المدحُ وفيه أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم يَذكر عليه السلام قِيامَ الليل ثم يستشهدُ بالآية ففي حديثِ معاذٍ ( أَلاَ أَدُلُّكَ على أَبْوَابِ الخَيْرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كَمَا يطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، ثم قَرَأ { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } ، حَتَّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ } ( رَواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ورَجَّحَ الزَّجَاجُ ما قاله الجمهور بأنهم : جُوزُوا بإخفاءٍ ، فَدَلَّ ذلك على أن العَمَلَ إخْفَاءٌ أيضاً ، وهو قيامُ الليل { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً } أي : من عذابه { وَطَمَعاً } أي : في ثوابه .
قال ( ص ) : { تتجافى } أَعربه أبو البقاء : حالاً ، و{ يَدْعُونَ } : حالٌ أو مُسْتَأنَفٌ و{ خَوْفاً وطَمَعاً } : مَفْعُولاَن من أجله أو مصدران في موضع الحال انتهى .
وفي الترمذي عن معاذ بن جَبَلٍ قال : قلتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ ، قَالَ : ( لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ ، وَإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رمضَانَ ، وتَحُجُّ البَيْتَ ، ثمَّ قَالَ : أَلاَ أَدُلُّكَ على أَبْوَابِ الخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جِنَّةٌ ، والصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، ثم تَلاَ : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } حَتَّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ } . ثم قال : أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْر وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ قُلْتُ : بلى ، يَا رَسُولَ اللّهِ ، قال : رَأْسُ الأَمْرِ الإسْلاَمُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بلى يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ، وَقَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، وَإنَّا لَمُؤَاخِذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ به فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَهَلْ يَكُبَّ النَّاسَ فِي النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ) قال الترمذيُّ : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.