اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

قوله : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } يجوز في «تَتَجَافَى » أنْ يكون مستأنفاً{[42837]} ، وأن يكون{[42838]} حالاً وكذلك «يَدْعُونَ »{[42839]} إذا جعل «يَدْعُون » حالاً احتمل أن يكون حالا ثانية ، وأن يكون حالاً من الضمير في «جنوبهم » ؛ لأن المضارع خبرٌ{[42840]} ، والتجافي الارتفاع{[42841]} ، وعبر به عن ترك النوم ، قال ابن رواحة :

4066 - نَبِيٌّ تَجَافَى جَنْبُهُ عَنْ فِرَاشِهِ *** إذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ{[42842]}

والمعنى يرتفع ( وينبو ){[42843]} جنوبهم عن المضاجع جمع المضْجَع وهو المَوْضِع الذي يَضْطَجِعُ عليه يعني الفراش وهم المتهجدون بالليل الذين يقيمون الصلاة ، قال أنس : نزلت فينا مَعْشَرَ الأنصار ، كنا نصلي المغرب الصلاة فلا نرجع إلى رحالنا حتى نُصَلِّيَ العشاءَ مع - النبي صلى الله عليه وسلم{[42844]} - .

( وعن أنس{[42845]} : أيضاً قال : نَزَلَتْ في أناسٍ من أصحابِ النّبي صلى الله عليه وسلم ){[42846]} كانوا يُصَلُّونَ من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وهو قول أبي حَازِمٍ{[42847]} ، ومُحَمَّد بْنِ{[42848]} المُنْكَدِر ، وقال في صلاة الأوابين وهو مروي عن ابن عباس . وقال عطاء : هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخر والفجر في جماعة{[42849]} ، ( وقال{[42850]} صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلَّى العِشَاء في جماعة ) ( كَانَ{[42851]} كَقِيَام نِصْفِ لَيْلَةٍ ومن صلى الفجر في جماعة ) كان كقيام ليلة »{[42852]} ، والمشهور أن المراد منه صلاة الليل ، وهو قول{[42853]} الحَسَنِ وجماعة ومجاهد ، ومَالِك والأوْزَاعِي{[42854]} وجماعة لقوله عليه ( الصلاة{[42855]} و ) السلام : «أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمضَانَ شَهْرُ اللَّهِ المُحَرَّمُ ، وأفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةٍ صَلاَةُ اللَّيْلِ{[42856]} ، وقال عليه ( الصلاة{[42857]} و ) السلام- : «إن{[42858]} فِي الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنها وباطنُها من ظاهِرها أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلاَنَ الكَلاَمَ ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى باللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ » .

( قوله ){[42859]} : { خَوْفاً وَطَمعاً } إما مفعول من أجله وإمّا حالان{[42860]} ، ( وإما ) مصدران لعامل مقدر .

قال ابن عباس : خَوْفاً من النار{[42861]} وطمعاً في الجنة ، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } . قيل : أراد به الصدقة المفروضة وقيل : عام في الواجب{[42862]} والتطوع .


[42837]:انظر: البيان 2/259.
[42838]:البيان 2/259 والتبيان 1049 ومشكل الإعراب 2/187.
[42839]:المراجع السابقة.
[42840]:هكذا تلك العبارة هنا وما في السمين: "لأن المضاف جر ويظهر- كما في التصريح- أن المراد أن المضاف جزء من المضاف إليه وهو أحد شروط مجيء الحال من المضاف". التصريح 1/308.
[42841]:ذكره في زاد المسير 6/339 ومجاز القرآن 2/132.
[42842]:بيت من بحر الطويل لعبد الله بن رواحة أحد أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وشاهده في "تجافى" فإن معناه الارتفاع بجسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الفراش. وانظر: تفسير ابن كثير 3/459 والطبري 21/64 والبحر المحيط 7/202 و 345 ومجمع البيان للطبرسي 7/17 والسراج المنير 3/208 والقرطبي 14/100.
[42843]:تصحيح يقتضيه الكلام.
[42844]:ذكره ابن الجوزي في زاد المسير 6/339 والقرطبي 14/101.
[42845]:المرجعان السابقان.
[42846]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[42847]:هو سلمة بن دينار مولى الأسود بن سفيان أبو حازم الأعرج التمَّار المدني القاصُّ الزاهد، أحد الأعلام عن ابن عمر، وابن عمرو، وسهل بن سعد، وابن المسيب وعنه ابنه عبد العزيز ومالك والسفيانان؛ كان ثقة مات سنة 135. انظر: الخلاصة 148.
[42848]:ابن عبد الله أبو عبد الله المدني أحد الأئمة الأعلام عن عائشة وأبي هريرة، وأبي قتادة، وجابر، وعنه زيد بن أسلم ويحيى الأنصاري وخلق. مات سنة 130 هـ: المرجع السابق 360 وانظر رأيهما في القرطبي 14/101.
[42849]:نقله الشوكاني في فتح القدير 4/253.
[42850]:ساقط من "ب".
[42851]:ساقط كذلك.
[42852]:نقله القرطبي في تفسيره 14/101 مروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
[42853]:الجامع لأحكام القرآن 14/100.
[42854]:هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الإمام الفقيه الحجة الورع سمع من الزهري وعطاء. وعنه أخذ الثوري وابن المبارك وخلق مات سنة 157 هـ انظر: الخلاصة 232.
[42855]:زيادة من "ب".
[42856]:الحديث رواه الإمام أحمد 2/342 و 344.
[42857]:ساقط من "ب".
[42858]:رواه الإمام أحمد في مسنده في 2/173 و 5/343.
[42859]:ساقط من "ب".
[42860]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/207، والبيان 2/290.
[42861]:ذكره الزجاج في :4/207.
[42862]:المرجع السابق.