بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

قوله عز وجل : { تتجافى جُنُوبُهُمْ } قال مقاتل : نزلت في الأنصار . كانت منازلهم بعيدة من المسجد . فإذا صلوا المغرب كرهوا أن ينصرفوا ، مخافة أن تفوتهم صلاة العشاء في الجماعة . فكانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء . ويقال : " الذي يصلي العشاء والفجر بجماعة " . وقال أنس بن مالك : الذي يصلي ما بين المغرب والعشاء وهو صلاة الليل " كما جاء في الخبر . قال النبي صلى الله عليه وسلم : «رَكْعَةٌ فِي اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ رَكْعَةٍ فِي النَّهَارِ » . قال أبو الليث رحمه الله : حدثنا الخليل بن أحمد . قال : حدثنا السراج . قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد العبسية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فيسِمعهمُ الدَّاعِي وَيَنْقُدُهُمْ البَصَرُ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ سَيَعْلَمُ أَهْلُ الجَمْعِ اليَوْمَ مَنْ أوْلَى بِالكَرَمِ . فَأيْنَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؟ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابِ . ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : أَيْنَ الَّذِينَ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ؟ فَيَقُومُونَ ، وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ . ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : أيْنَ الَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ ؟ فَيَقُومُونَ ، وَهُمْ قَلِيلٌ فَيَدْخَلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ . ثُمَّ يُؤْمَرُ بِسَائِرِ النَّاسِ فَيُحَاسَبُونَ » . فذلك قوله عز وجل : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } يعني : يصلون بالليل ويقومون عن فرشهم { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } { خوفاً } من عذابه ، { وطمعاً } في رحمته { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } يعني : يتصدقون من أموالهم . يعني : صدقة التطوع ، لأنه قرية كصلاة التطوع . ويقال : يعني : الزكاة المفروضة . والأول أراد به العشاء والفجر .