النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

قوله : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عِنِ الْمَضَاجِعِ } أي ترتفع عن مواضع الاضطجاع قال ابن رواحة :

يبيت يجافي جنبه عن فِراشِه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع{[2198]}

وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان :

أحدهما : لذكر الله إما في صلاة أو في غير صلاة قاله ابن عباس والضحاك .

الثاني : للصلاة .

روى ميمون بن شبيب عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال : " إِنْ شِئْتَ أَنبَأتُكَ بَأبوابِ الْخَيرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تطفئ الخَطِيئَة{[2199]} وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ " ثم تلا هذه الآية .

وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقاويل :

أحدها : التنفل بين المغرب والعشاء ، قاله قتادة وعكرمة .

الثاني : صلاة العشاء التي يقال لها صلاة العتمة ، قاله الحسن وعطاء .

الثالث : صلاة الصبح والعشاء في جماعة ، قاله أبو الدرداء وعبادة .

الرابع : قيام الليل ، قاله مجاهد والأوزاعي ومالك وابن زيد .

{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } فيه وجهان :

أحدهما : خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته .

الثاني : خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه .

ويحتمل ثالثاً : يدعونه في دفع ما يخافون والتماس ما يرجون ولا يعدلون عنه في خوف ولا رجاء .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً لها ، قاله ابن عباس .

الثاني : صدقة يتطوع بها سوى الزكاة ، قاله قتادة .

الثالث : النفقة في طاعة الله ، قال قتادة : أنفقوا مما أعطاكم الله فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها .

الرابع : أنها نفقة الرجل على أهله .


[2198]:الضمير في يبيت يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن قبله: وفينا رسول الله يتلو كتابه*** إذا انشق معروف من الصبح ساطع
[2199]:رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.