وقوله تعالى : { تتجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } جملة مستأنفة لبيان بقية محاسنهم .
وجوز أن تكون حالية أو خبراً ثانياً للمبتدأ ، والتجافي البعد والارتفاع ؛ والجنوب جمع جنب الشقوق ، وذكر الراغب أن أصل الجنب الجارحة ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال ، و { المضاجع } جمع المضجع أماكن الاتكاء للنوم أي تتنحى وترتفع جنوبهم عن مواضع النوم وهذا كناية عن تركهم النوم ومثله قول عبد الله بن رواحة يصف النبي صلى الله عليه وسلم :
نبي تجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
والمشهور أن المراد بذلك التجافي القيام لصلاة النوافل بالليل وهو قول الحسن . ومجاهد . ومالك . والأوزاعي . وغيرهم . وفي الأخبار الصحيحة ما يشهد له ، أخرج أحمد . والترمذي وصححه . والنسائي . وابن ماجه . ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة . وابن جرير . وابن أبي حاتم . والحاكم . وصححه . وابن مردويه . والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل قال : «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت : يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ؟ قال : لقد سألت عن عظيم وأنه يسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ { تتجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } حتى بلغ يعملون » الحديث .
وقال أبو الدرداء . وقتادة . والضحاك هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة ، وعن الحسن . وعطاء هو أن لا ينام الرجل حتى يصلي العشاء ، أخرج الترمذي وصححه . وابن جرير . وغيرهما عن أنس قال : إن هذه الآية { تتجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } نزلت في انتظار الصلاة التي تدعي العتمة ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال فيها : نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هو أن يصلي الرجل المغرب ويصلي بعدها إلى العشاء ، فقد أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد . وابن عدي . وابن مردويه عن مالك بن دينار قال : سألت أنس بن مالك عن هذه الآية { تتجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } قال : كان قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب ويصلون بعدها إلى عشاء الآخرة فنزلت هذه الآية فيهم ، وقال قتادة . وعكرمة : هو أن يصلي الرجل ما بين المغرب والعشاء ؛ واستدل به بما أخرجه محمد بن نصر عن عبد الله بن عيسى قال : كان ناس من الأنصار يصلون ما بين المغرب والعشاء فنزلت فيهم { تتجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : تتجافي جنوبهم لذكر الله تعالى كلما استيقظوا ذكروا الله عز وجل إما في الصلاة وإما في قيام أو قعود أو على جنوبهم لا يزالون يذكرون الله تعالى ، وروى نحوه هو . ومحمد بن نصر عن الضحاك . والجمهور عولوا على ما هو المشهور ، وفي فضل التهجد ما لا يحصى من الأخبار وأفضله على ما نص عليه غير واحد ما كان في الأسحار .
{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } حال من ضمير { جُنُوبُهُمْ } وقد أضيف إليه ما هو جزء ، وجوز على احتمال كون جملة { تتجافي } الخ حالية أن تكون حالاً ثانية مما جعلت تلك حالاً منه وعلى احتمال كونها خبراً ثانياً للمبتدأ أن تكون خبراً ثالثاً ، وجوز كونها مستأنفة ، والظاهر أن المراد بدعائهم ربهم سبحانه المعنى المتبادر ، وقيل : المراد به الصلاة { خَوْفًا } أي خائفين من سخطه تعالى وعذابه عز وجل وعدم قبول عبادتهم { وَطَمَعًا } في رحمته تبارك وتعالى فالمصدران حالان من ضمير { يَدَّعُونَ } وجوز أن يكونا مصدرين لمقدر أي يخافون خوفاً ويطمعون طمعاً وتكون الجملة حينئذٍ حالاً ، وأن يكونا مفعولاً له ولا يخفي أن الآية على الحالية أمدح .
{ وَمِمَّا رزقناهم } إياه من المال { يُنفِقُونَ } في وجوه الخير .
ومن باب الإشارة : وفي قوله : { وَمِمَّا رزقناهم } أي من المعارف وأنواع الفيوضات { يُنفِقُونَ } [ السجدة : 16 ] إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كما لهم في أنفسهم وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا . والعذاب الأكبر العذاب على ذلك .
وقال بعضهم : الأول التعب في طلب الدنيا والثاني شتات السر ، وقيل : الأول حرمان المعرفة والثاني الاحتجاب عن مشاهدة المعروف ، وقيل : الأول الهوان والثاني الخذلان
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.