21- واذكر هوداً أخا عاد إذ حذَّر قومه المقيمين بالأحقاف - وقد مضت الرسل قبله وبعده بمثل إنذاره - قائلاً لهم : لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الهول{[202]} .
{ 21-26 } { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ } إلى آخر القصة{[784]}
أي : { وَاذْكُرْ } بالثناء الجميل { أَخَا عَادٍ } وهو هود عليه السلام ، حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه .
{ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ } وهم عاد { بِالْأَحْقَافِ } أي : في منازلهم المعروفة بالأحقاف وهي : الرمال الكثيرة في أرض اليمن .
{ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } فلم يكن بدعا منهم ولا مخالفا لهم ، قائلا لهم : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد ، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة .
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن مصارع الغابرين الذين كانوا أشد قوة وأكثر جمعا من مشركى قريش ، لكى يعتبروا بهم ، ويقلعوا عن كفرهم ، حتى لا يكون مصيرهم كمصير من سبقوهم فى الكفر والطغيان ، فقال - سبحانه - : { واذكر أَخَا عَادٍ . . . وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .
والمقصود بقوله - تعالى - : { أَخَا عَادٍ } : هود - عليه السلام - فقد أرسله الله - تعالى - إلى قبيلة عاد ، ليأمرهم بعبادة الله - تعالى - ، وكانوا قوما جبارين ، فلم يستمعوا إلى نصحه ، فكانت عاقبتهم الهلاك والتدمير .
وقد وردت قصته معهم فى سور متعددة ، منها : سورة الأعراف ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، وسورة الحاقة . .
قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { واذكر أَخَا عَادٍ } هو هود بن عبد الله بن رباح ، كان أخاهم فى النسب لا فى الدين ، إذ أنذر قومه بالأحقاف ، والأحقاف : ديار عاد . . وهى جمع حقف - بكسر الحاء - ، وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوج ، ولم يلغ أن يكون جبلا . .
ويغلب على الظن أن مساكنهم كانت على مرتفعات من الأرض فى شمال حضر موت ، وعلى مقربة من المكان الذى يسمى الآن بالرَّبْع الخالى غربى عُمَان . .
والمعنى : واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك ليعتبروا ويتعظوا قصة هود - عليه السلام - وقت أن أنذر قومه ، وهم يعيشون بتلك الأماكن المرتفعة المسماة بالأحقاف .
وقوله : { وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } جملة حالية من محل نصب .
أى : جاد هود إلى قومه فأمرهم بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، وخوفهم من سوء عاقبة مخالفته ، والحال أنه قد أخبرهم بأن الرسل الذين سبقوه ، والذين يأتون من بعده ، كليهم قد بعثهم الله - تعالى - لهداية أقوامهم ، ولعبادته - سبحانه - وحده .
فالنذر : جمع نذير ، والمراد بهم الرسل الذين يخوفون أقوامهم من سوء عاقبة الإِشراك مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة .
والمراد بقوله : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } الرسل السابقون عليه ، والمتأخرون عنه .
ثم ذكر - سبحانه - جانبا من نصائح هود لقومه فقال : { أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
أى : أنذرهم قائلا لهم : إنى أحذركم من عبادة أحد سوى الله - تعالى - وآمركم بإخلاص العبادة له - تعالى - وحده ، لأنى أخاف عليكم عذاب يوم هائل عظيم ، وهو يوم القيامة ، { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } فأنت ترى أن هودا - عليه السلام - بجانب أنه قد أمر قومه بما يسعدهم ، فإنه قد بين لهم - أيضا - أنه ما حمله على هذا الأمر إلا خوف عليهم ، وحرصه على نجاتهم من عذاب يوم القيامة .
يقول تعالى مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه : { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ } وهو هود ، عليه السلام ، بعثه الله إلى عاد الأولى ، وكانوا يسكنون الأحقاف - جمع حقْف وهو : الجبل من الرمل - قاله ابن زيد . وقال عكرمة : الأحقاف : الجبل والغار . وقال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : الأحقاف : واد بحضرموت ، يدعى بُرْهوت ، تلقى فيه أرواح الكفار . وقال قتادة : ذُكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشِّحْر .
قال ابن ماجه : " باب إذا دعا فليبدأ بنفسه " : حدثنا الحسين بن علي الخلال ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرحمنا الله ، وأخا عاد " {[26443]} .
وقوله : { وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } يعني : وقد أرسل الله إلى من حَول بلادهم من القرى مرسلين ومنذرين ، كقوله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] ، وكقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ فصلت : 13 ، 14 ] {[26444]} {[26445]} أي : قال لهم هود ذلك ، فأجابه قومه قائلين : { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا }
واختلف الناس في هذه «الأحقاف » أين كانت ؟ فقال ابن عباس والضحاك : هي جبل بالشام ، وقيل كانت بلاد نخيل ، وقيل هي الرمال بين مهرة وعدن . وقال ابن عباس أيضاً : بين عمان ومهرة . وقال قتادة : هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني وقال ابن إسحاق هي بين حضرموت وعمان ، والصحيح من الأقوال : أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت إرم ذات العماد . و «الأحقاف » : جمع حقف ، و هو الجبل المستطيل والمعوجّ من الرمل . ( قال الخليل : هي الرمال الأحقاف ) وكثيراً ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحارى ، لأن الريح تصنع ذلك .
وقوله تعالى : { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } اعتراض مؤكد مقيم للحجة أثناء قصة هود ، لأن قوله : { ألا تعبدوا إلا الله } هو من نذارة هود . و : { خلت } معناه : مضت إلى الخلاء ومرت أزمانها . وفي مصحف عبد الله : «وقد خلت النذر من قبله وبعده » . وروي أن فيه : «وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده » . و { النذر } : جمع نذير بناء اسم فاعل .