المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

5- ولقد زيَّنا السماء القريبة التي تراها العيون بكواكب مضيئة ، وجعلناها مصادر شهب ، يُرْجَم بها الشياطين ، وأعددنا لهم في الآخرة عذاب النار الموقدة{[223]} .


[223]:السماء كل ما علانا فأظلنا، وقال ابن سيده: هي خضم الفضاء بما فيه من الأجرام والشهب، والصورة التي يراها سكان الأرض في الليالي الصافية هي القبة الزرقاء تزينها النجوم والكواكب وكأنها مصابيح. كما ترى الشهب تهوي محترقة في أعالي جو الأرض. وما القبة الزرقاء إلا نتيجة لتلاقي ضوء الشمس والنجوم مع دقائق الغبار العالقة في الهواء وجزئيات الهواء نفسه وتشتته بها. هذا فضلا عن الظواهر الضوئية التي تزين السماء الدنيا مثل الشفق والفجر، والأضواء البروجية وأضواء الشمال أو الفجر القطبي، وكلها متباينة ترجع إلى تفاعل الضوء مع غلاف الأرض الجوي ومجالها المغناطيسي.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

ثم صرح بذكر حسنها فقال : { 5 - 10 } { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }

أي : ولقد جملنا { السَّمَاءَ الدُّنْيَا } التي ترونها وتليكم ، { بِمَصَابِيحَ } وهي : النجوم ، على اختلافها في النور والضياء ، فإنه لولا ما فيها من النجوم ، لكانت سقفًا مظلمًا ، لا حسن فيه ولا جمال .

ولكن جعل الله هذه النجوم زينة للسماء ، [ وجمالا ] ، ونورًا وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح ، أن يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع ، فإن السماوات شفافة ، وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا ، وإن لم تكن الكواكب فيها ، { وَجَعَلْنَاهَا } أي : المصابيح { رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } الذين يريدون استراق خبر السماء ، فجعل الله هذه النجوم ، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض ، فهذه الشهب التي ترمى من النجوم ، أعدها الله في الدنيا للشياطين ، { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ } في الآخرة { عَذَابِ السَّعِيرِ } لأنهم تمردوا على الله ، وأضلوا عباده ، ولهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم ، قد أعد الله لهم عذاب السعير ، فلهذا قال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك أدلة أخرى على وحدانيته وقدرته ، وبين ما أعده للكافرين من عذاب ، بسبب إصرارهم على كفرهم . . فقال - تعالى - :

{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ . . . }

قال الإِمام الرازى : اعلم أن هذا هو الدليل الثانى على كونه - تعالى - قادرا عالما ، وذلك لأن هذه الكواكب نظرا إلى أنها محدثة ومختصة بمقدار معين ، وموضع خاص ، وسير معين ، تدل على أن صانعها قادر .

ونظرا إلى كونها محكمة متقنة موافقة لمصالح العباد ، ومن كونها زينة لأهل الدنيا ، وسببا لانتفاعهم بها ، تدل على أن صانعها عالم .

ونظير هذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الصافات : { إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب . وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } وقوله : { زَيَّنَّا } من التزيين بمعنى التحسين والتجميل . و { الدنيا } صيغة تفضيل من الدنو بمعنى القرب .

والمصابيح : جمع مصباح وهو السراج المضئ . والمراد بها النجوم . وسميت بالمصابيح على التشبيه بها فى حسن المنظر ، وفى الإضاءة ليلا . .

والرجوم : جمع رَجْم ، وهو فى الأصل مصدر رَجَمه رَجْماً - من باب نصر - إذا رماه بالرِّجام أي : بالحجارة ، فهو اسم لما يُرْجَم به ، أي : ما يَرْمِي به الرامي غيره من حجر ونحوه ، تسمية للمفعول بالمصدر ، مثل الخَلْق بمعنى المخلوق .

وصدرت الآية الكريمة بالقسم ، لإِبراز كامل العناية بمضمونها .

والمعنى : وبالله لقد زينا وجملنا السماء القريبة منكم بكواكب مضيئة كإضاءة السُّرُجِ ، وجعلنا - بقدرتنا - من هذه الكواكب ، ما يرجم الشياطين ويحرقها ، إذا ما حاولوا أن يسترقوا السمع ، كما قال - تعالى - { وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } قال الإِمام ابن كثير : قوله : { وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير فى قوله { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لاعلى عينها ، لأنه لا يرمى بالكواكب التي فى السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها - والله أعلم - .

قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به . .

فالضمير فى قوله : { وَجَعَلْنَاهَا } يعود إلى المصابيح ، ومنه من أعاده إلى السماء الدنيا ، على تقدير : وجعلنا منها رجوما للشياطين الذين يسترقون السمع .

وقوله - تعالى - : { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة ، بعد بيان سوء مصيرهم فى الدنيا عن طريق إحراقهم بالشهب .

أي : وهيأنا لهؤلاء الشياطين فى الآخرة - بعد إحراقهم في الدنيا بالشهب - عذاب النار المشتعلة المستعرة .

فالسعير - بزنة فعيل - اسم لأشد النار اشتعالا . يقال : سعر فلان النار - كمنع - إذا أوقدها بشدة .

وكان السعير عذابا للشياطين - مع أنهم مخلوقات من النار ، لأن نار جهنم أشد من النار التي خلقوا منها ، فإذا ألقوا فيها صارت عذابا لهم ، إذ السعير أشد أنواع النار التهابا واشتعالا وإحراقا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

ولما نفى عنها في خلقها النقص ، بين كمالها وزينتها فقال : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت .

وقوله : { وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير في قوله : { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لا على عينها ؛ لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها ، والله أعلم .

وقوله : { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } أي : جعلنا{[29107]} للشياطين هذا الخزي في الدنيا ، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى ، كما قال : في أول الصافات : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 6 - 10 ] .

قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها الله زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .


[29107]:- (2) في م: "أي: جعلناها".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لّلشّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السّعِيرِ } .

يقول تعالى ذكره : وَلَقَدْ زَيّنا السّماءَ الدّنْيَا بِمَصَابِيحَ وهي النجوم ، وجعلها مصابيح لإضاءتها ، وكذلك الصبح إنما قيل له صبح للضوء الذي يضيء للناس من النهار ، وَجَعلْناها رُجُوما للشّياطِينِ يقول : وجعلنا المصابيح التي زيّنا بها السماء الدنيا رجوما للشياطين تُرْجم بها . وقد حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَقَدْ زَيّنا السّماءَ الدّنْيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوما للشّاطِينِ ، إن الله جلّ ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها زينة للسماء الدنيا ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن يتأوّل منها غير ذلك ، فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلّف ما لا علم له به .

وقوله : وأعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابَ السّعِيرِ ، يقول جلّ ثناؤه : وأعتدنا للشياطين في الاَخرة عذاب السعير ، تُسْعَر عليهم فتُسْجَر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

أخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا التي تلينا بمصابيح وهي النجوم ، فإن كانت جميع النجوم في السماء الدنيا ، فهذا اللفظ عام للكواكب ، وإن كان في سائر السماوات كواكب ، فإما أن يريد كواكب سماء الدنيا فقط ، وإما أن يريد الجميع على أن ما في غيرها لما كانت هي تشف عنه ، ويظهر منها ، فقد زينت به بوجه ما ، ومن تكلف القول بمواضع الكواكب وفي أي سماء هي ، فقوله ليس من الشريعة . وقوله تعالى : { وجعلناها رجوماً للشياطين } معناه وجعلنا منها ، وهذا كما تقول : أكرمت بني فلان وصنعت بهم وأنت إنما فعلت ذلك ببعضهم دون بعض ، ويوجب هذا التأويل في الآية أن الكواكب الثابتة والبروج ، وكل ما يهتدى به في البر والبحر فليست براجم ، وهذا نص في حديث السير ، وقال قتادة رحمه الله : خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوماً للشياطين وليهتدى بها في البر والبحر ، فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة . { وأعتدنا } معنا : أعددنا والضمير في : { لهم } عائد على الشياطين .