تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

الآية 5 وقوله تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين } سمّاها سماء الدنيا لدنوها إلى المخاطبين الممتحنين ، لا أن تكون السماء الثانية سماء الآخرة . والذي يدل على صحة ما ذكرنا أن مقابل الدنيا ليست هي الآخرة ، بل مقابلها الأولى ، ومقابل الدنيا القصوى ، فثبت أن ليس فيها تثبيت أن السماء الثانية هي سماء الآخرة .

والمصابيح هي النجوم ، فذكّر عباده عظيم ما أودع من النعيم في النجوم عليهم ، فجعل فيها ثلاثة أوجه من النعيم :

إحداها : أنه جعلها زينة للناظرين كما قال تعالى : { وزيناها للناظرين } [ الحجر : 16 ] .

ثم هذه الزينة إنما تظهر عندما تخفى على الناظرين زينة الأرض ، وذلك في ظلمة الليالي ، فأبدل الله لهم زينة في السماء مكان الزينة التي أنشأها في الأرض ، وفضّل هذه الزينة على سائرها ، لأن سائرها لا يظهر إلا بالدنو إليها والقرب منها ، ثم جعل هذه الزينة بحيث تظهر ، فترى من البعد ، فثبت أن لها فضلا وشرفا على زينة الأرض .

والنعمة الثانية : ما ذكر في قوله : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } [ الأنعام : 97 ] فجعلها هدى من ظلمات أحوال تقع ، فيسلم بها المرء من الوقوع في المهالك .

والنعمة الثالثة : ما ذكر من قوله : { وجعلناها رجوما للشياطين } [ الملك : 5 ] وفي جعلها رجوما للشياطين رفع الاشتباه عن الخلق وإخراجهم من ظلمات الأفعال إلى النور ؛ وذلك أن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء ، فيستمعون إلى الأخبار التي يتحادث بها أهل السماء في ما بينهم مما يراد بأهل الأرض ، فيسترقون السمع منهم ، فيأتون بها أهل الأرض ، ويلقونها إلى أهل الأرض بعد ما يخلطونها بأكاذيب من عند أنفسهم ، فيشبهون على الخلائق ، ويضلونهم بذلك عن سبيل الله تعالى ، فملأ السماء بالحرس والشهب ليدفعوا الشياطين عن استراق السمع ليكون تبليغ الأخبار إلى أهل الأرض بمن يؤمن عليه [ من ]{[21664]} الكذب ، وهو الرسول عليه السلام ، فتسلم تلك الأخبار من التخاليط والشبه ، فيسلم الناس من الوقوع في الظلمات .

ثم يكون في جعل النجوم زينة السماء ، أن أهل السماء قد ابتلوا أيهم أحسن عملا كما ابتلي به أهل الأرض . ألا ترى إلى ما ذكر في أهل الأرض في قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } ؟ [ الكهف : 7 ] فأخبر أن الزينة للامتحان .

وقوله تعالى : { واعتدنا لهم عذاب السعير } فيه أنهم ، وإن عذبوا بالنيران التي جعلت في النجوم الرجوم لا تدفع عنهم ما استوجبوا من العذاب الدائم ، بل قد أعد لهم عذاب السعير كما أعد لغيرهم من الشياطين وأهل الكفر .


[21664]:ساقطة من الأصل و م.