فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح } بيّن سبحانه بعد خلق السموات ، وخلوّها من العيب والخلل أنه زينها بهذه الزينة ، فصارت في أحسن خلق وأكمل صورة وأبهج شكل ، والمجيء بالقسم لإبراز كمال العناية ، والمصابيح جمع مصباح ، وهو السراج ، وسميت الكواكب مصابيح لأنها تضيء كإضاءة السراج وبعض الكواكب ، وإن كان في غير سماء الدنيا من السموات التي فوقها ، فهي تتراءى كأنها كلها في سماء الدنيا أن أجرام السموات لا تمنع من رؤية ما فوقها مما له إضاءة لكونها أجراماً صقيلة شفافة { وجعلناها رُجُوماً للشياطين } أي وجعلنا المصابيح رجوماً يرجم بها الشياطين . وهذه فائدة أخرى غير الفائدة الأولى ، وهي كونها زينة للسماء الدنيا ، والمعنى أنها يرجم بها الشياطين الذين يسترقون السمع ، والرجوم جمع رجم بالفتح ، وهو في الأصل مصدر أطلق على المرجوم به ، كما في قولهم : الدرهم ضرب الأمير : أي مضروبة ، ويجوز أن يكون باقياً على مصدريته ، ويقدر مضاف محذوف : أي ذات رجم ، وجمع المصدر باعتبار أنواعه . وقيل : إن الضمير في قوله : { وجعلناها } راجع إلى المصابيح على حذف مضاف : أي شهبها ، وهي نارها المقتبسة منها لا هي أنفسها : لقوله : { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 10 ] ووجه هذا : أن المصابيح التي زين الله بها السماء الدنيا لا تزول ولا يرجم بها ، كذا قال أبو عليّ الفارسي جواباً لمن سأله : كيف تكون المصابيح زينة وهي رجوم ؟ قال القشيري : وأمثل من قوله هذا أن تقول : هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين . قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوماً للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البرّ والبحر ، فمن تكلم فيها بغير ذلك ، فقد تكلم فيما لا يعلم وتعدّى وظلم . وقيل : معنى الآية : وجعلناها ظنوناً لشياطين الإنس ، وهم المنجمون { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير } أي وأعتدنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب عذاب السعير : أي عذاب النار ، والسعير : أشدّ الحريق ، يقال : سعرت النار ، فهي مسعورة .

/خ11