إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ} (5)

وقولُه تعالَى : { وَلَقَدْ زَيَّنا السماء الدنيا } بيانٌ لكونِ خلقِ السماوات في غايةِ الحسنِ والبهاءِ ، إثرَ بيانِ خُلوِهَا عن شائبةِ القصورِ . وتصديرُ الجملةِ بالقسمِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بمضمونِهَا ، أي وبالله لقد زيَّنا أقربَ السماوات إلى الأرضِ { بمصابيح } أي بكواكبَ مضيئةً بالليلِ إضاءةَ السرجِ من السياراتِ والثوابتِ ، تتراءى كأن كُلَّها مركوزةٌ فيها مع أنَّ بعضَها في سائرِ السماوات ، وما ذاكَ إلا لأنَّ كلَّ واحدةٍ منها مخلوقةٌ على نمطٍ رائقٍ تحارُ في فهمِهِ الأفكارُ ، وطرازٍ فائقٍ تهيمُ في دركِهِ الأنظارُ { وجعلناها رُجُوماً للشياطين } وجعلنَا لها فائدةً أُخرى ، هي رجمُ أعدائِكُم بانقضاضِ الشهبِ المقتبسةِ من نارِ الكواكبِ ، وقيلَ معناهُ وجعلنَاهَا ظنوناً ورجوماً بالغيبِ لشياطينِ الإنسِ وهم المنجمونَ ، ولا يساعدهُ المقامُ . والرجومُ جمع رَجْمٍ بالفتحِ وهو ما يُرجمُ بهِ { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ } في الآخرةِ { عَذَابِ السعير } بعد الاحتراقِ في الدُّنيا بالشهبِ .