{ لَكُمْ فِيهَا } أي : [ في ] الهدايا { مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } هذا في الهدايا المسوقة ، من البدن ونحوها ، ينتفع بها أربابها ، بالركوب ، والحلب ونحو ذلك ، مما لا يضرها { إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } مقدر ، موقت وهو ذبحها إذا وصلت مَحِلُّهَا وهو الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، أي : الحرم كله " منى " وغيرها ، فإذا ذبحت ، أكلوا منها وأهدوا ، وأطعموا البائس الفقير .
وقوله - سبحانه - : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } . بيان لبعض مظاهر نعم الله - تعالى - عليهم فى هذه الأنعام .
أى : لكم - أيها المؤمنون - فى تلك الأنعام التى تقدمونها قربة لله - تعالى - " منافع " تصل إليكم عن طريق ركوبها ولبنها ونسلها . . . وهذه المنافع موقوتة إلى وقت معين ، هو وقت ذبحها أو وقعت تعيبنها وتسميتها هديا ، أما بعد ذلك فاتركوا الانتفاع بها للفقراء والمحتاجين ، فهذا أكثر ثوابا لكم عند الله - تعالى - .
وقوله - سبحانه - { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } بيان لمكان ذبحها .
والمحل مأخوذ من حل الشىء يحل - بالكسر - حلولا إذا وجب أو انتهى أجله . والمراد به فى الآية مكان الحلول ، أى : المكان الذى ينتهى فيه أجل تلك الأنعام ، أو المكان الذى يجب ذبحها فيه .
والمعنى : لكم فى تلك الأنعام منافع إلى أجل مسمى ثم المكان الذى تذبح فيه منته إلى البيت العتيق . ومتصل به .
والمقصود بهذا المحل الحرم كله ، لأن البيت ليس مكانا للذبح .
وبعضهم يرى أن المراد بالمحل فى قوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } : تحلل الحجاج من إحرامهم بعد أداء شعائر الحج المعبر عنها بقوله - تعالى - : { ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله . . . } .
قال القرطبى : قوله - تعالى - : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق } يريد أنها تنتهى إلى البيت ، وهو الطواف فقوله : { مَحِلُّهَآ } مأخوذ من إحلال المحرم .
والمعنى : أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمى الجمار والسعى ينتهى إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق . فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه . .
وهذه الأنعام التي تتخذ هديا ينحر في نهاية أيام الإحرام يجوز لصاحبها الإنتفاع بها . إن كان في حاجة إليها يركبها ، أو في حاجة إلى ألبانها يشربها ، حتى تبلغ محلها - أي مكان حلها - وهو البيت العتيق . ثم تنحر هناك ليأكل منها . ويطعم البائس الفقير .
" وقد كان المسلمون على عهد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يغالون في الهدي ، يختارونه سمينا غالي الثمن ، يعلنون بها عن تعظيمهم لشعائر الله ، مدفوعين بتقوى الله . روى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : أهدي عمر نجيبا فأعطى بها ثلاث مائة دينار ، فأتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : يا رسول الله إني أهديت نجيبا ، فأعطيت بها ثلاث مائة دينار . أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا ? قال : " لا . انحرها إياها " .
والناقة النجيب التي جاءت هدية لعمر - رضي الله عنه - وقومت بثلاث مائة دينار لم يكن عمر - رضي الله عنه - يريد أن يضن بقيمتها ، بل كان يريد أن يبيعها فيشتري بها نوقا أو بقرا للذبح . فشاء رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يضحي بالنجيب ذاتها لنفاستها وعظم قيمتها ، ولا يستبدل بها نوقا كثيرة ، قد تعطي لحما أكثر ، ولكنها من ناحية القيمة الشعورية أقل . والقيمة الشعورية مقصودة ( فإنها من تقوى القلوب ) . وهذا هو المعنى الذي لحظه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يقول لعمر - رضي الله عنه - " انحرها إياها " هي بذاتها لا سواها !
جملة { لكم فيها منافع } حال من الأنعام في قوله : { وأحلت لكم الأنعام } [ الحج : 30 ] وما بينهما اعتراضات أو حال من { شعائر الله } [ الحج : 32 ] على التفسير الثاني للشعائر . والمقصود بالخبر هنا : هو صنف من الأنعام ، وهو صنف الهدايا بقرينة قوله : { ثم محلها إلى البيت العتيق } .
والمنافع : جمع منفعة ، وهي اسم النفع ، وهو حصول ما يلائم ويحفّ . وجعل المنافع فيها يقتضي أنها انتفاع بخصائصها مما يراد من نوعها قبل أن تكون هدياً .
وفي هذا تشريع لإباحة الانتفاع بالهدايا انتفاعاً لا يتلفها ، وهو رد على المشركين إذ كانوا إذا قلّدوا الهدْيَ وأشعَرُوه حظروا الانتفاع به من ركوبه وحمل عليه وشرب لبنه ، وغير ذلك .
وفي « الموطّأ » : " عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال : اركبها ؟ فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، ويلك في الثانية أو الثالثة " . والأجل المسمّى هو وقت نحرها ، وهو يوم من أيام مِنى . وهي الأيام المعدودات .
والمَحِلّ : بفتح الميم وكسر الحاء مصدر ميمي من حلّ يحِلّ إذا بلغ المكان واستقرّ فيه . وهو كناية عن نهاية أمرها ، كما يقال : بلغ الغاية ، ونهاية أمرها النحر أو الذبح .
و { إلى } حرف انتهاء مجازي لأنها لا تنحر في الكعبة ، ولكن التقرب بها بواسطة تعظيم الكعبة لأنّ الهدايا إنما شرعت تكملة لشرع الحجّ ، والحجّ قصد البيت . قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت } [ آل عمران : 97 ] ، فالهدايا تابعة للكعبة ، قال تعالى : { هدياً بالغ الكعبة } [ المائدة : 95 ] وإن كانت الكعبة لا ينحر فيها ، وإنما المناحر : مِنى ، والمروة ، وفجاج مكة أي طرقها بحسب أنواع الهدايا ، وتبيينه في السنة .
وقد جاء في قوله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } رد العجز على الصدر باعتبار مبدأ هذه الآيات وهو قوله تعالى : { وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت } [ الحج : 26 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.